تركي محمد السديري&&

المتابع للأحداث هذه الأيام يصاب بالدهشة والحيرة من سياسات بعض الدول المتناقضة حيال ما يجري في بعض الدول الأخرى من أحداث، إذ إن المتعارف عليه في العلاقات الدولية هو أن الاقتصاد والتجارة الدولية هما من يحدد سياسات دولة ما تجاه دولة أخرى لتحقيق منافع مشتركة بين الدولتين، لكن على أرض الواقع قد يختلف الأمر.


من يتابع الأخبار هذه الأيام قد يصيبه الدوار والصداع وهو يحاول فهم مواقف بعض الدول من بعض الأحداث هنا وهناك. عندما تقول الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية إنها تسعى لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه أينما وجد قد يصدق البعض تلك المقولة، لكن يصعب على من يتعمق تفكيراً وتحليلاً لبعض الأحداث محولاً الربط بينها أن يصدق ذلك. لتوضيح هذا الجانب سأتطرق لبعض الأمثلة عليه.

قطر توجد بها قاعدة العديد الأميركية وهي أكبر قاعدة للولايات المتحدة خارج حدودها، في الوقت نفسه تستضيف قطر قادة حزب «الإخوان» المصنف من عدد من الدول الحليفة للولايات المتحدة منظمة إرهابية، وكذلك تستضيف قادة طالبان وتفتح لهم مكتب تمثيل ديبلوماسي على رغم العداء بين طالبان والولايات المتحدة، وتفتح أبواب التجارة والعلاقات الحميمة مع إيران التي تستضيف بقايا رموز القاعدة على رغم أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات صارمة ضد إيران، مع ذلك لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً أو تستنكر حتى تصرفات حكومة قطر.

هذا الأمر يجعل من يفكر بالعلاقات القائمة بين الدولتين يصاب بالدهشة والحيرة إزاء ذلك، بل إن من يفكر بهذا الموضوع يكاد يجزم أن السياسة المعلنة تسير عكس الحقيقة وأن وراء الأكمة ما وراءها. ليس هذا فحسب، بل إن قطر التي تحاول شق الصف الخليجي وتغذي الارهاب والجماعات الارهابية في البحرين والمملكة وجمهورية مصر الشقيقة وعدد من دول المغرب العربي وبعض الدول الأفريقية ومع ذلك لم تحرك الولايات المتحدة ودول الغرب ساكناً تجاه تصرفات حكومة قطر، على رغم فضائح الرشاوى في مجال استضافة كأس العالم وشراء الأصوات التي خصصتها لمهاجمة المملكة بالتعاون مع تركيا، بل اكتفت بالقول أنها تدعو الأطراف كافة لحل خلافاتها عبر الحوار.

المثال الآخر يتجلى في ليبيا؛ إذ يسيطر الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر المدعوم من البرلمان الليبي على شرق ليبيا بينما تسيطر حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السراج والمدعومة من المجتمع الدولي وبعض المليشيات المسلحة المنتشرة غرب ليبيا. تقول بعض المصادر إن أغلب هذه المليشيات تتكون من فلول عناصر القاعدة وجماعات «الاخوان» و«داعش». انقسام واضح بين شرق البلاد وغربها لم تفلح الوساطات واللقاءات التي عقدت في تطويق الخلافات. الغريب هو وجود دول تدعم الشرق ودول أخرى تدعم الغرب في هذا البلد الذي مزقته الخلافات بعد سقوط حكم القذافي وانتشار المليشيات المسلحة باختلاف ميولها وانتمائها على كامل الأرض الليبية.

وجود هذه المليشيات المسلحة أدى إلى تجميع ما تبقى من الجيش الليبي، إذ قام هذا الجيش بتطهير شرق ليبيا من تلك المليشيات مدعوماً من البرلمان الليبي في مقره المؤقت ليستمر تعاظم دور الجيش الليبي لتطهير البلاد من المليشيات المسلحة والتي كان آخرها توجه هذا الجيش للغرب الليبي.

إن صحت الأنباء التي تقول ان المليشيات المسلحة التي تنتشر بالغرب الليبي خصوصاً في مصراتة والزنتان وغيرها هي التي تحمي حكومة الوفاق في طرابلس، وأن هذه المليشيات مدعومة من قطر وتركيا وإيران فما الذي جعل دول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تقف ضد الجيش الليبي وتطلب وقف تقدمه فوراً.

تناقض غريب في سياسات الغرب تجاه ما يحدث في ليبيا، قد يكون المبرر لهذه المواقف رغبة من تلك الدول باستمرار الصراع الذي يدر عليها الملايين من تجارة السلاح والعتاد العسكري وبقاء نفوذها هناك، أم هي تطبيق لقاعدة فرق تسد ورغبة في تقسيم ليبيا إلى دولتين كما حدث لتقسيم فلسطين بين الضفة الغربية وقطاع غزة!

هذا يقودنا إلى سؤال كبير يقول: ماذا تجني قطر وتركيا وإيران من بث الفرقة بين الفلسطينيين؟ علماً أن رئيس دولة الاحتلال أعلنها صريحة عندما قال ان الفرقة بين قطاع غزة والضفة الغربية في مصلحة إسرائيل. تناقض آخر في سياسات ثلاث دول تدعي دعمها للحق الفلسطيني وتقوم بأعمال تناقض ما تقول.

المثال الثالث ما يحدث في اليمن الشقيق من قيام مليشيا الحوثي المدعومة من إيران بالاستيلاء على السلطة في بعض مناطق اليمن بالقوة المسلحة وقيامها بالهدم والتنكيل بمن يعارضها، وعندما تقوم السلطة الرسمية والمدعومة من التحالف العربي بمحاولة استعادة شرعية الدولة تهب بعض الدول الغربية ومنظمات الأمم المتحدة بالمطالبة بالتهدئة واللجوء للحوار، وهي تعلم علم اليقين أن هذه المليشيات لا تعترف بالحوار وعملت على إفشاله مرات عدة. تناقض سياسي آخر بين القول والعمل، والأمثلة على تناقض السياسات كثيرة في عالمنا اليوم بشكل يصعب حصره في مقالة قصيرة، فهل نحن معتبرون بما يجري حولنا؟ أتمنى ذلك.

&