& محمد السعيد إدريس

&شهد الأسبوع الفائت تطورات ومتغيرات مهمة زادت من تعقيد المشهد الإقليمى الشرق أوسطى وفى القلب منه عالمنا العربى سوف تكون لها حتماً تداعيات ونتائج شديدة الخطورة وشديدة الأهمية أبرزها فوز تكتل اليمين الإسرائيلى الذى يقوده بنيامين نيتانياهو فى الانتخابات التشريعية المبكرة التى أجريت الثلاثاء الماضى (9/4/2019)، ما يعنى أن نيتانياهو فرض نفسه رئيساً للحكومة الإسرائيلية فى السنوات المقبلة وتزامن هذا الفوز بتسابق أمريكى- روسى على إنجاح نيتانياهو بكل ما يعنيه ذلك من انحياز لمشروعه السياسى، وما يؤكده من تحولات لها خطورتها تتعلق بعلاقة روسيا بالعرب وإسرائيل، كما تزامن مع تصعيد أمريكى- إيرانى غير مسبوق بإعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الحرس الثورى الإيرانى (8/4/2019) منظمة إرهابية ورد مجلس الأمن القومى الإيرانى باعتبار القوات الأمريكية فى منطقة غرب آسيا (المشرق العربى والجزيرة العربية بشكل أساسى) ضمن المنظمات الإرهابية، تطوران من شأنهما وضع المنطقة كلها فى أجواء حرب لا يعرف أحد متى ستنفجر ولا متى يمكن أن تنتهى، لكن كآبة كل هذه التطورات تراجعت جزئياً مع ظهور خيوط بيضاء لفجر عربى لم يبزغ بعد حملت معالمه انتصارات الإرادة الشعبية فى الجزائر والسودان.

انا املك بيتكوين في حسابي الخاص، وماذا أنت تملك؟

&

الفوز الانتخابى لرئيس الحكومة بنيامين نيتانياهو كان بمثابة «استفتاء شعبى على استمرار ولايته فى رئاسة الحكومة الإسرائيلية» على حد وصف ألوف ين رئيس تحرير صحيفة «هاآرتس» الذى حدد هدفين متوقعين لحكومة نيتانياهو الجديدة هما: هدف شخصى يتمثل فى إزاحة لوائح الاتهام التى تهدده من الطريق وهى الاتهامات التى كادت تقوده إلى المحاكمة أمام القضاء، والهدف الثانى هدف سياسى يتمثل فى التعجيل بضم كل المستوطنات الإسرائيلية المقامة فى الضفة الغربية المحتلة التى تشمل المنطقة (جـ) التى تشغل 60% من أراضى الضفة إلى جانب مساحات أخرى من المنطقة «ب» الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، لكن الأهم هو أن «قانون القومية» الذى أصدره الكنيست فى العام الماضى سيكون، وكما يقول «ألوف ين» أيضاً «القاعدة الأيديولوجية» لحكومة اليمين الجديدة.

اللافت فى فوز نيتانياهو أنه يجىء تعبيراً عن تحولات شديدة الخطورة فى المجتمع الإسرائيلى تكشف عن تراجع اليسار فى مجمله، وهيمنة الأجواء والميول اليمينية والتوراتية على ميول القطاع الأعم من الرأى العام الإسرائيلى الذى بات مقتنعاً بأولوية التوجه نحو فرض المرحلة الثانية من التوسع الإسرائيلى التى تتجاوز حدود دولة فلسطين بكاملها، أى بناء «دولة إسرائيل بحدودها التوراتية».

التحولات الجديدة فى الموقف الدولى لا تقل خطورة عن هذه التحولات الإسرائيلية، فكل ما حدث من تحولات إسرائيلية كان صدى للتحولات التى حدثت فى الموقف الأمريكى والسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط. فالتنسيق بين الرئيس الأمريكى ورئيس الحكومة الإسرائيلية «وصل إلى القمة» وفق توصيف «هيئة البث العامة» الإسرائيلية (كان) التى قالت إن «تصريح بنيامين نيتانياهو بأنه سيضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية ما كان ليصدر دون الحصول على ضوء أخضر أمريكى» .

هذا التحول الجديد فى العلاقة بين واشنطن وتل أبيب جعل عاموس جلبوع يكتب فى صحيفة «هاآرتس» أن «إسرائيل ليست زخراً إستراتيجياً للولايات المتحدة فحسب بل هى عملياً ذراعها الإستراتيجية والتكتيكية.

هى الذراع الأمريكية فى الشرق الأوسط». فالأمر المؤكد أن إسرائيل باتت هى المصلحة الأهم، إن لم تكن الأولى فى الشرق الأوسط، بعد تراجع مكانة النفط العربى فى المصالح الأمريكية، وأن الولايات المتحدة، فى عهد ترامب، باتت حريصة على تسخير حلفائها فى الشرق الأوسط للانخراط فى تحقيق المصالح والأهداف الإسرائيلية.

جديد هذه التحولات أيضاً هو ما يحدث من اندفاع أو تسابق روسى مع الولايات المتحدة على إرضاء نيتانياهو والعمل على فوزه فى الانتخابات.

كانت هدية الرئيس الروسى لبنيامين نيتانياهو بالمساعدة فى تسلم رفاة الجندى الإسرائيلى «زخاريا بوامل» الذى قتل فىأثناء الغزو الإسرائيلى للبنان عام 1982 فى معركة ما يُعرف بـ «معركة السلطان يعقوب» هذه الهدية هى أبرز مؤشرات هذا التحول.

قدم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين هذه الهدية لنيتانياهو تعبيراً عن حرصه على الفوز فى الانتخابات.

هذه التحولات الجديدة فى الموقف الروسى جعلت روسيا متلعثمة أمام تصعيد إسرائيل اعتداءاتها على سوريا، وأمام التوجه الأمريكى لفرض «صفقة القرن» بكل تجاوزاتها لحقوق الشعب الفلسطينى المعترف بها دولياً، تحولات جعلت المندوب الروسى فى مجلس الأمن فاسيلى ينبينزا يتباهى بالقول «لدينا علاقات جيدة مع إسرائيل، وإسرائيل شريكتنا فى الشرق الأوسط مثلها مثل كل الدول العربية، نحن محظوظون وفخورون بأننا إحدى القوى الكبرى التى تتمتع بعلاقات جيدة مع أى طرف وكل طرف فى المنطقة دون استثناء».

يحدث ذلك فى ظل التصعيد الإسرائيلى ضد إيران فى سوريا كان آخره هجوما إسرائيليا على طلب بعد يومين من عودة نيتانياهو من موسكو والتصعيد الأمريكى الشامل ضد إيران، وهو التصعيد الذى سيبلغ ذروته فى مايو المقبل مع انتهاء مهلة الأشهر الستة التى منحت استثناء لعدد من الدول من وقف استيرادها النفط الإيرانى، وعزم إدارة ترامب على «تصفير» صادرات النفط الإيرانية.

تسخين سبقه قرار الرئيس الأمريكى باعتبار الحرس الثورى الإيرانى «منظمة إرهابية» بكل ما يتضمنه من فرض قيود على أى نوع من التعامل مع هذا الحرس. قرار ليس أمريكياً فحسب بل هو قرار إسرائيلى بالدرجة الأولى، الأمر الذى استتبع ردود فعل إيرانية عنيفة على كل المستويات واعتبار القوات الأمريكية فى غرب آسيا منظمة إرهابية أيضاً.

تصعيد قد يجر إلى الحرب بكل ما يمكن توقعه من تداعيات على الأمن العربى.

خطورة هذه التطورات أنها تحدث فى ظل ظروف مأساوية للحال العربية وللنظام العربى: صراعات دموية فى أكثر من دولة، أمن عربى مفكك واختراقات من كل جانب، لكن تأتى التحولات الجديدة فى الجزائر والسودان لتعيد طرح السؤال المهم: هل يمكن أن تكون الانتصارات الشعبية بريق أمل لاستعادة العرب كرقم له اعتباره وأهميته فى حسابات كل تلك القوى المتصارعة على الأرض العربية؟