&عبدالله بن بخيت

في الأيام الأولى من تخرجي من الجامعة كان الطموح لنيل شهادة الدكتوراه فائقاً، كنا نتحدث عن مواصلة الدراسة وخصوصاً أن هذا الطموح تحركه فكرة الابتعاث وما يمكن أن يجده الشاب أثناء العيش في بلاد الغرب. كنا نتأمل في الأساتذة الذين تلقينا على أيديهم العلم في الكلية وحملة الشهادات العليا الذين نلتقيهم في الحياة، لا نجد عند معظمهم أي شيء إضافته الشهادة العليا، حركات بعضهم ولغته ومفرداته عامية تماماً، حتى إن بعضهم استدرجناه للإسهام معنا في الكتابة في الجريدة وتبين أنه لا يجيد كتابة سطرين يصيغ بهما أفكاره.

بعد تأمل واختبارات اكتشفنا أن ثمة مسافة بين المثقف وبين حامل الشهادة العليا. اكتشفنا أن هذه الشهادة ليست سوى مؤهل سنه الأكاديميون للعمل في مؤسساتهم مثلها مثل شهادات التأهيل الأخرى التي تجيز لحاملها العمل في تخصصات معينة، فهمنا من تجاربنا تلك أن حامل شهادة الدكتوراه ليس بالضرورة مثقفاً وواسع الأفق.

كانت المملكة في فترة السبعينات والثمانينات تفتقر كثيراً للكفاءات الإدارية ولأنها في حمى التنمية احتاجت إلى معايير لتعيين السعوديين في المناصب القيادية، عندئذ اعتمدت شهادة الدكتوراه واحدة من المعايير في التعيينات على المناصب العليا ففهم العامة أن هذه الشهادة رمز للعلم والتقدم الوظيفي في نفس الوقت. تحولت إلى برستيج ولقب تفخيمي كما حدث في بعض الدول العربية&فتفاقم الطلب على هذه الشهادة إلى درجة أن برزت مشكلة خطيرة هي الشهادات العليا المزورة.

حان الوقت أن نعيد لهذه الشهادة قيمتها الحقيقية وننزع عنها الأساطير. أولاً وقبل كل شيء تجب توعية الناس بأن قيمة هذه الشهادة محدودة بالتخصص الذي صدرت من أجله، لا يمكن أن يصبح حامل شهادة دكتوراه في الشريعة خبيراً في الاقتصاد وخبيراً في الكمبيوتر وخبيراً في علم الفضاء.&ليست تفويضاً بأن حاملها عالم على قاعدة (الحاوي للتداوي)، بل إن طبيعتها تشير إلى عكس ذلك تماماً، تضيق على حاملها مجال علمه ومعرفته، يصبح متخصصاً، في كثير من الحالات تصبح شهادة مخادعة، من يحمل هذه الشهادة ليس بالضرورة أن يصبح مديراً ناجحاً أو كاتباً جيداً، ثمة طرق لا حصر لها تيسر للمرء الحصول عليها بلا تعب.

كتبنا كثيراً عن ترشيد استخدامها، رجل يحمل شهادة دكتوراه في العقيدة يكتب عن غلاء أسعار الطماطم لا مانع في ذلك ومن حقه لكن يجب عدم السماح له أن يضع تحت اسمه كلمة دكتور، حان الوقت لاحترام الشهادات الأكاديمية بأن نضعها في مكانها وقيمتها الصحيحة.