&عبدالله بشارة&

&مع التعديلات الدستورية التي تبنّاها البرلمان المصري منذ أسبوعين، رسخت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي حتى عام 2030، كمسؤول عن إدارة مصر ومؤتمن على مستقبلها، ومحافظ على استقلالها، وواعد لتطورها وازدهارها، ولو كنت عضواً في البرلمان المصري لطلبت الكلمة، متحمّساً للتعديل، ومدافعاً عن سجل الرئيس عبد الفتاح، ومقدماً مبررات هذه الحماسة، الصادر من حرص على سلامة مصر وعلى إخراجها من «الشباك» الذي وقعت فيه منذ الثورة الناصرية.&

أخرج الرئيس السابق حسني مبارك مصر من دوامة الاضطراب وقادها ثلاثين سنة، لكنه لم يحقق لها مصالحتها التاريخية مع تراثها، وأجله إلى أن جاء الرئيس السيسي. أظهر الرئيس المصري قدرة فائقة في استشعاره لما تريده مصر، وهي ضرورة المصالحة مع حقائقها، لم تكن مصر مستفزّة ولم يكن شعبها غليظاً، ولم تكن لها طموحات توسعية داخل ضلوعها، ولم تدخل في منافسة مع أحد.. لم يشغلها أحد عن همومها وعن إسعاد شعبها، وعن سعيها للحفاظ على مؤهلاتها، كدولة أمة منذ جاء هذا الكون، ظلت متواصلة في حنيتها ولم تسبّب انشقاقاً مع جيرانها وسارت مع عرب آخرين في معية آمنة تتحلى بالمودة والصدق والتعاطف. كانت فصول الخمسينات والستينات خارجة على المألوف في سلوكها ودخيلة على طبائعها وثقيلة على شعبها الوديع. جاءت سنوات الاغتراب عن عرب الجزيرة والخليج من افرازات سياسية غريبة على حياة مصر تمثّلت في تحرّشات مؤدلجة أتاحت لنفسها حق التدخّل في شؤون الآخرين الذين لهم أسلوب خاص ينظّم حياتهم، مستخلص من تراثهم. كانت فترة عقيمة جاءت من تجاهل تام لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول،

وهو مبدأ ينظم العلاقات بين الدول، وترافق ذلك التحول مع انطلاق الصواعق الاعلامية المثيرة من صوت العرب في مجادلة حق القادة العرب في ترتيب بيوتهم وفق المسلك المتوارث لديهم والمتعارف عليه في حياتهم السياسية والاجتماعية. كان المرحوم فتحي الديب مهندس التجمّع السياسي الاقليمي الذي قررت القاهرة تشكيله، وأطلقت عليه تجمع الطليعة العربية الاشتراكية، وانضمت إليه مجموعة عربية من العراق ولبنان وسوريا، وليبيا في ما بعد، وقليل من شمال أفريقيا، كان معظمهم من البعثيين والقوميين، منهم خير الدين حسيب وأديب الجادر وصبحي عبد الحميد من العراق، ومن مصر عدد كبير من اليساريين والايديولوجيين أمثال اسماعيل صبري عبد الله، وفؤاد مرسي، ويحي الجمل، ورفعت المحجوب، وطعمة الجرف، والتفاصيل موجودة في كتاب «الطليعة العربية ـــ التنظيم القومي السري» للدكتور عبد الغفار شكر ــــ الصادر من مركز دراسات الوحدة العربية. كانت هذه التجمّعات السرية هي الآلية التي تلعب دوراً في التأثير في دبلوماسية الدولة التي يستهدفها التنظيم، وكانت تتبنّى أسماء مختلفة للتستر، مثل تجمع نصرة فلسطين، والجمعية الاشراكية ، ولجنة مساعدة الطلبة العرب، بالاضافة إلى تجمّعات فيها «يافطات» من مختلف الألوان. كان شعار وحدة الهدف قبل وحدة الصف، وهو الشعار الذي يلعلع في آفاق العلاقات العربية مفرزاً التباعد بين الدول العربية، أطلق الكتّاب الغربيون على تلك الفترة «الحرب العربية الباردة»، التي نشرت التشرذم العربي وصنعت الانشقاقات،

إلى حد صار كل طرف يسعى لتأمين حياته ويحافظ على نظامه، حذرا من تدخّلات الأخوة العرب. كانت هذه الصورة البائسة هي عنوان العلاقات العربية ـــ العربية، وكنت أعيشها في اجتماعات الجامعة العربية، وأستمع إلى زلات اللسان وسفاهة البيان، وأعرف أن مصر بتاريخها العريق، تعيش فترة عابرة، فقد كانت تعبّر عن حنيتها، خلال تاريخها الحديث، بدعم المحتاجين بمدرسين وأطباء وأمور أخرى سجلها تاريخنا في الكويت وفي دول أخرى، وأن موقع مصر دائماً أليف ونصير وحاضن. كانت كارثة 1967 مدمّرة، لكنها أيقظت الجميع لحقائق التاريخ، وأعادت الجميع إلى طبائعهم الخيرة، وتلاشت تلك السطوة الإعلامية، لأنها من صنع الأحلام والأوهام. انشغل الرئيس السادات بتحرير سيناء، وترتيب عودة مصر إلى حقولها المثمرة، وجاء الرئيس حسني مبارك وجلس ثلاثين سنة، أغلق فيها الباب نهائياً في وجه التأجيج الايديولوجي، لكنه لم يتمكّن من تحقيق تصالح مصر النهائي مع تاريخها، وجاء الرئيس السيسي حاملا الوعي المسؤول لتحرير مصر من الأوجاع الثقيلة التي خلفتها الحرب العربية الباردة عبر الاصلاح العميق والواسع الذي يتطلب العمل الجاد المنكب على هموم مصر وعلى تحصيل المنجزات التي ينتظرها الشعب، لكي تخفف عنه شيئاً من أوجاع الحياة. وصار صوت مصر ناطقاً بلغة التآلف مع الكل في تضامن عربي وتآخي متبادل يحصد الجميع ثماره.

حقّق الرئيس السيسي ما لم يحقّقه الآخرون، نال ثقة العرب كلهم، لأنهم وجدوا فيه قائداً كانت مصر تبحث عنه، وتحتاج إليه، وقادراً على التعرّف على مشاكلها وجريئاً لعلاج معاناتها، وشجاعاً لا تخيفه أحجام الأورام التي لا بد من إزالتها، ولا تهتز أعصابه أمام صوت الانتقادات، فاتحاً قلبه للجميع، للعرب المعاضدين وغير المعاضدين، الشرق والغرب، حاملاً مصر وحياتها وآمالها، هدفه الوحيد. لم يتحرّك أعضاء البرلمان المصري للتمديد مجاملة للرئيس السيسي، وإنما من قناعة بأن مصر دخلت المرفأ الآمن، أغلقت عواصف الماضي، وعادت إلى طبعها الوديع الذي أعاد جمال السلوك وطيب النوايا وحب الجميع. أكتب من متابعتي لانجازاته ولتصرّفاته، فالرئيس السيسي مصري بجذور تلقائية، لصيقا بالريف ووفياً لتقاليده، يتحدث ببساطة فيها بلاغة الصدق، وكان دفء الصداقة بارزاً في لقاءاته مع مختلف العرب بتعبيرات حميمية، تطمئن المشاهدين بأن مصر في الممر الآمن. لا تفوتني الاشارة إلى وعي الرئيس السيسي بضرورات حق التعبير وبدور جمعيات النفع العام وحيوية الحوارات السياسية الناقدة، وغيرها من آليات الانفتاح التام، لكن معاركه مع الارهاب تفرض أولويات لصنع مناخ يدفع نحو التنمية. لن يخيّب الرئيس آمال شعبه، وعلينا الدعاء له بطول العمر، ليكمل مأموريته التاريخية.. عبدالله بشارة

&