&رامي الخليفة العلي

النظام الإيراني كان يتوقع أن تكون هنالك سياسة أكثر صلابة من قبل الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترمب ولكن حتى في أسوأ كوابيس نظام الملالي لم يتوقع أن تصل العقوبات إلى هذه الشدة. منذ شهر أيار/‏ مايو الماضي والنظام الإيراني يعاني صعوبات بالغة نتيجة العقوبات الأمريكية، مجرد التلويح بالعقوبات أدى إلى انهيار في العملة الإيرانية وكذلك إلى تراجع كبير على مستوى الاقتصاد الإيراني. ثم تلا ذلك العقوبات الأخرى والتي جاءت في شهر نوفمبر الماضي حيث أخرجت إيران من النظام المصرفي العالمي (سويفت) وبالتالي أصبح هنالك صعوبات لدى الشركات الكبرى ولدى الدول الأخرى في التعامل المالي مع النظام الإيراني، ولكن العقوبات الأهم كانت العقوبات التي تفرض على الدول التي تشتري النفط الإيراني، في ذلك الحين قامت الإدارة الأمريكية باستثناء بعض الدول التي تعتمد على النفط الإيراني منها تركيا واليونان والهند والصين وغيرها، لكن مؤخرا أعلنت الإدارة الأمريكية بأن هذا الاستثناء لن يجدد وسوف تسري العقوبات على جميع الدول ابتداء من الثاني من شهر أيار/‏مايو القادم.

في الأيام القليلة الماضية بدت العقوبات الأمريكية تأخذ بعدا مختلفا من خلال تصنيف الحرس الثوري الإيراني باعتباره منظمة إرهابية، قد يبدو الموضوع سياسيا وأمنيا وعسكريا ولكن أيضا له شق اقتصادي على غاية من الأهمية لأن الحرس الثوري ليس منظمة عسكرية وحسب وإنما أيضا قطاع اقتصادي، خصوصا أنه معفى من الضرائب ولديه مؤسسات اقتصادية، تصل إلى ما يقارب ثلث الاقتصاد الإيراني، العقوبات التي فرضت على الحرس الثوري سوف تكون مؤثرة على الاقتصاد الإيراني في كليته ومن هنا جاء رفض بعض الدول لهذا القرار الأمريكي منها تركيا على وجه التحديد، بكل الأحوال فإن الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرة تبدو جادة أكثر من أي مرة سابقة في الضغط على النظام الإيراني. طبعا سوف تبدأ تجليات القرارات الأمريكي التي تضغط بقوة على النظام الإيراني من خلال التراجع الاقتصادي والأزمة الاقتصادية التي سوف تؤدي إلى حالة عدم الاستقرار على المستوى الاجتماعي والسياسي. خاصة أن إيران عانت تلك الحالة من عدم الاستقرار من خلال الاحتجاجات التي عمت إيران خلال الشهور الماضية سواء على هوامش المدن أو في أعماق الريف الإيراني.

الأزمة الاقتصادية سوف تزداد خلال الفترة القادمة والأهم من ذلك أن سياسة إيران في المنطقة ودعمها للمليشيات الإرهابية في اليمن ولبنان وسورية والعراق سوف تتأثر بشكل كبير بالعقوبات الأمريكية، لأن هنالك ضغطا اقتصاديا وحالة الوفرة المادية التي عاشتها إيران منذ توقيع الاتفاق النووي سوف تتراجع بكل تأكيد خلال الفترة القادمة. لذلك عمدت إيران إلى استفزاز أذرعها في المنطقة تمثل ذلك في التهديدات الجوفاء من قبل زعيم جماعة الحوثي الإرهابية وخطاب الهزيمة البائس الذي قدمه زعيم حزب الله الإرهابي حسن نصر الله. ولم نعدم التهديدات العنترية من قبل الحرس الثوري بأن إيران سوف تعمل إلى إغلاق مضيق هرمز، وذلك يكاد يكون مستحيلا لأن تنفيذ إيران لهذا التهديد يعني أنها وصلت إلى نقطة اللاعودة في المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا ما عدنا إلى سياسة نظام الملالي على امتداد العقود الأربعة الماضية فإننا ندرك أن هذا النظام غالبا ما يتجنب المواجهة المباشرة مع واشنطن. لذلك هو يعمد إلى أعمال إرهابية في هذا المكان أو ذلك من خلال تصفيات أو تفجيرات تستهدف مصالح أمريكية سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في مناطق أخرى من العالم. إيران محشورة في الزاوية لذلك يمكن أن نتوقع محاولات لزعزعة الاستقرار في المنطقة برمتها ولكنها لن تفلح في إخراج نفسها من تلك الزاوية، حتى تلك الرغبة الموجودة لدى تركيا من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى لمد يد العون إلى النظام الإيراني لن تجدي نفعا لأن الطرفين ليس لديهما الوسائل والإمكانيات لتقديم تلك اليد. النظام الإيراني يزداد الخناق عليه اقتصاديا وسياسيا وحتى عسكريا وأمنيا ويتجلى ذلك في الضربات المتوالية التي يتعرض لها الحرس الثوري والميليشيات الموالية له في سورية على امتداد الأشهر الماضية. لعل إيران سوف تحاول عبر الميليشيات الإرهابية التي تتبع لها زيادة حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتوجيه ضربات للقوات الأمريكية في المنطقة من أجل دفع واشنطن للجلوس معها على طاولة المفاوضات، أو انتظار الانتخابات الأمريكية القادمة لعل ترمب يخسر الانتخابات وهذا لا يبدو احتمالا مرجحا.

نقطه أخيرة تجدر الإشارة إليها وهي أن إيران خلال السنوات الماضية استطاعت مواجهة العقوبات التي فرضت من الأمم المتحدة وكذلك من الولايات المتحدة الأمريكية ولكن هنا يوجد فارق بسيط وأساسي وجوهري ومهم للغاية وهو أن العقوبات السابقة لم تستهدف النفط، القطاع النفطي يعتبر السلعة الاستراتيجية الأغلى من الناحية الاقتصادية وكذلك من الناحية السياسية والعسكرية وبالتالي هذه المرة العقوبات سوف تكون أمضى وسوف تكون أداة فعالة في يد الولايات المتحدة الأمريكية لتغيير السلوك الإيراني في المنطقه. وفي مواجهة كل ذلك تبدو خيارات النظام الإيراني في الرقصة الأخيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية محدودة للغاية.