& &نوال السعداوى

&منذ طفولتى أحب الرياضة وتحريك جسمى بقوة وسرعة إلى حد الطيران دون أن ألمس الأرض بقدمي، قضيت سنوات طفولتى الأولى فى مدينة الإسكندرية وكانت أمى تجيد السباحة، أسبح وراءها وأصعد فوق الأمواج، فى المدرسة الإبتدائية الإنجليزية بمنوف مارست بعض الرياضات منها الباسكت بول، فى المدرسة الثانوية بحلوان أحببت لعبة التنس، فى الجامعة، لم تكن التقاليد الذكورية والدينية تشجع الطالبات على الرياضة، خاصة السباحة، فاكتفيت بالتنس، بعد التخرج والعمل، أصبحت عضوة مع أسرتى فى نادى الجزيرة الرياضى القريب من بيتى بالجيزة، كان ذلك فى بداية الستينيات من القرن الماضي، علاقتى بالنادى كانت الرياضة، وليس الجلوس والدردشة أو تناول الطعام أو تمضية وقت الفراغ، لم يكن فى حياتى فراغ، لذلك لم أشعر بالانتماء لنادى الجزيرة الذى كان يضم الطبقة الثرية، وأغلبهم لا يقرأون ولا يمارسون الرياضة.

&من أصدقائى القليلين بالنادى كان بطل المانش أبو هيف، أقابله فى حمام السباحة الصغير, الليدو، الخاص بالكبار، يستخدمه أبو هيف بمثابة مكتب شبه خاص، فهو لا يسبح فى حمام محدود، بلا أمواج البحر ولا مسابقات، ينزل إلى الماء للإنعاش، ولعقد الاجتماعات والمناقشات، كنت أختفى تحت الماء حتى لا يعطلنى عن رياضتى بالكلام، وإن لمحني، يقبل نحوى يسألني، الاشتراكية أحسن واللا الرأسمالية يا دكتورة، إيه رأيك فى عبد الناصر؟ كنت أغيظه قائلة، عبد الناصر ممتاز.

ومرت الأعوام، غبت فيها عن مصر بالمنفي، وفى أوائل إبريل 2019، وأنا جالسة بالقرب من حمام الليدو، أقبلت بعض العضوات والأعضاء بالنادي، هنأونى باسترداد صحتى بعد الأزمة الأخيرة بسبب الخطأ الطبي، طلبوا منى عمل ندوة فكرية أو ثقافية بالنادي، وتم تحديد موعد الندوة 17 أبريل، لم أكن أتقاضى أى أجر عن الندوات التى يعقدها لى الشباب والشابات منذ عودتى من المنفى فى سبتمبر 2009 ، لهذا لم أطلب أجرا للندوة، لكن صديقتى منال، قالت لا يمكن تشتغلى ببلاش يا نوال، كفاية تضحيات طول حياتك، نادى الجزيرة أغنى ناد فى مصر، النوادى بتدفع الملايين بالدولارات للاعبى كرة القدم، الدنيا مقلوبة، القدم فوق الرأس والعقل بلا ثمن، لا يمكن تشتغلى ببلاش للأغنياء، كفاية الفقراء يا عزيزتي، وقررت السيدة منال أن تطلب أجرا للندوة، وانتفض المسئول الثقافى بنادى الجزيرة وقال لها غاضبا، لا ندفع شيئا للندوات الثقافية، وتم إلغاء الندوة.

كانت لى ندوة أخرى بعد ثورة يناير 2011، حين طلب أعضاء النادى المتعاطفين مع الثورة عمل ندوة لى حول قضايا تحرير المرأة، كانت دون أجر، مثل جميع ندواتى فى مصر، وتم الإعلان عن الندوة داخل النادى وخارجه، لكن إدارة النادى جعلت الندوة خاصة بالأعضاء فقط، وتم منع الآخرين من دخول الباب الخارجي، بينما كنت أتكلم فى الندوة جاءنى بعض الأعضاء، وقالوا إن أعدادا من الشابات والشباب واقفين فى الشارع ممنوعون من الدخول، كانت إدارة النادى قد وعدتنى بأن المشاركة فى الندوة ستكون للجميع، هكذا عقدت ندوة أخرى للشباب والشابات فى الشارع خارج النادي.

تحسنت أحوال النادى فى السنين الأخيرة، بعد عدة محاولات للتطوير، لكن منذ أعوام قليلة انتشرت القطط والكلاب الضالة فى النادي، وكادت قطة تأكل طفلا، وعض كلب إحدى العضوات، توقفت عن التريض فى التراك الكبير حيث كان سباق الخيول، بعد أن هجم على كلب. وفى يوم رأيت أحد الأعضاء الأمريكيين يسبح فى حمام الليدو، ثم يتوقف عند الحافة ليداعب كلبه الوولف الضخم، الذى يغرق فمه وأنفه وأقدامه القذرة الأربعة فى الماء الذى نسبح فيه، قلت له أنت لا تفعل ذلك فى بلدك، لكن إدارة النادى لم تعاقبه ولا كلبه، واتهمنى الرجل المؤيد للاستعمار الأمريكى الإسرائيلى وقتل الشعب الفلسطيني، أننى أسلب الكلاب حقوقها، ولا أساويها بالبشر وهذه تفرقة عنصرية، وفى يوم رأيت سيدة مصرية تطعم القطط الضالة ببقايا سردين وسمك عفن بجوار المدخل الخاص لغرفة السيدات، لكن إدارة النادى لم تمنعها من تكرار ذلك كل يوم، إلى حد أن أصبحت القطط تدخل غرف السيدات، وتنام تحت السيارات، ورائحة السمك العفن تملأ الجو، وقال أحد العاملين بالنادى إنها زوجة رجل مهم (VIp)، وغضبت السيدة لأننى لا أتعاطف مع القطط.