فهد الدغيثر&

أقصد بذلك من يبدي الغيرة والدفاع عن الوطن، أي وطن، ليوهم العوام من الشعوب بأنه مواطن مخلص بينما هدفه البعيد إلحاق الضرر وإفشال المشاريع الوطنية الكبرى. هذا نوع طارئ من أنواع الحروب بين الأحزاب المعارضة والحكومات الأخرى الداعمة لها وبين الدول المستهدفة، وهي حرب يختص بها عالمنا العربي دون غيره. سمحت وسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً "تويتر"، لمن هب ودب ومن دون أن يعرّف الناس بشخصيته وهويته وصورته الحقيقية أن يتظاهر بأنه "مواطن" مخلص غيور للدولة المستهدفة وأن يمارس المزايدة على المواطنين المنتمين إليها.


الهدف بالطبع، محاولة خلق نوع من الانقسامات والانشقاق والمعارضة داخلها. فمثلاً، قد أنتحل شخصية إماراتية أو كويتية وأضع رموز وأعلام هذه الدول في خلفية الموقع الإلكتروني الذي أديره من هاتفي النقال، وأردد الدعاء لله بأن يحفظ هذه الدول، وأستدرج ولاء ومتابعة شعبها لما أختاره بعناية من أطروحات تبدو في ظاهرها منادية بالإصلاح، بينما هي في الباطن غير ذلك.

في الحال السعودي، تصبح هذه الممارسة أسهل بكثير بسبب الانتماء الروحي والجغرافي للإسلام، كون المملكة هي حاضنة الحرمين الشريفين ومهد الرسالة. من هنا، نجد أن هؤلاء يلجؤون إلى ملامسة مشاعر العامة من خلال المزايدة على تدينهم الفطري. هذا النهج ليس بجديد على كل حال فقد كان يمارس في العلن قبل ظهور وسائل التواصل الحديثة التي تمكّن من التخفي وراء المعرفات المجهولة. فمنذ بروز "الصحوة" قبل أربعة عقود، والبعض ممن ينتمون إلى تيارات إسلامية خارجية، معظمها "إخوانية"، يؤدون هذه المهمة من دون اعتراض أو مساءلة، مستغلين عفوية المجتمع وتغليب الحكومة حسن الظن بهم. لم تنتبه لهم الحكومة السعودية إلا عندما تصادمت خطبهم وأشرطتهم وما تحتويه من مواد تحريضية مع قرارات الحكومة إبان احتلال الكويت بواسطة عراق صدام حسين. كشفت تلك الأيام بداية الحقيقة المخبأة عن الجميع، والمتمثلة بعدم اكتراث هؤلاء الدعاة والخطباء أصلاً بالأمن الوطني، عندما عارضوا بشدة الاستعانة بالقوات الأجنبية الصديقة. بعضهم كما نعلم، تمادى كثيراً واختار المواجهة التي انتهت به إلى العقوبة الشرعية المناسبة وأمضى سنوات عدة في السجون، البعض الآخر فضل التردد ومحاولة اللعب في المنتصف تفادياً للمساءلة.

لا شك أن ذلك المشروع "الصحوي" ألحق أكبر الضرر في مسيرة التنمية في السعودية في العديد من الاتجاهات، لكن أهمها هو بالطبع تعطيل التنمية البشرية والاقتصادية واستمرار المملكة في اعتمادها على المداخيل النفطية فقط، هذا الاعتماد وإن كان آمناً عندما كان عدد السكان متدنياً إلا أنه نذير فشل مستقبلي ويدفع إلى المخاطر مع نمو السكان، هذه الحقائق البسيطة لم تكن غائبة بالطبع عن عقول أولئك الدعاة المحرضين ضد حكوماتهم.

لذلك، وعندما انتبهت الحكومة السعودية إلى العمل على تنويع مصادر الدخل وضرورة الانفتاح الاجتماعي وتحسين جودة الحياة في الداخل لحفظ الأموال السعودية وإنفاقها داخلياً، وجدنا البعض يقف ضد ذلك مستخدماً تخويف الشعب عاطفياً من عواقب ذلك على دينه وعقيدته. اكتشفت الدولة وخصوصاً بعد مقاطعة قطر أن عدداً من هؤلاء لديه بالفعل تواصل مع الدوحة بل وبعضهم وافق على قبول الهبات المالية منها مع السماح بتصوير المناسبة، فبادرت إلى إيقافهم وفتح ملفات تتضمن إدراج تهم الخيانة العظمى.

بسبب ذلك وللحاجة إلى وجود التعطيل، نسمع ونتابع الخطاب القديم نفسه ولكن هذه المرة عبر عدد من المعرفات الوهمية المناهضة لهذا لحراك السعودي الجديد الواعد. خطابهم اليوم يحمل التخويف بأن الترفيه الذي نشاهده في السعودية أخيراً من تنشيط لدور الفن والمسرح وتنظيم المسابقات الدولية وجلب الاستثمارات الأجنبية وتسهيل الدخول والخروج عبر المنافذ والمطارات، إنما هو تغريب للمجتمع وسيقود إلى الانحلال. الواضح لأي متابع هو تجنب هؤلاء للنيل من تركيا أو قطر، إذ لا تجد أي حديث عما يقع في هاتين الدولتين من محاذير شرعية فاضحة، كبيع الخمور والملاهي الليلية والسماح بالدعارة وتقنينها وممارسة القمار ونحو ذلك. معظم الرسائل التي يبعثونها لمتابعيهم تصب في إلحاق الأذى بالسعودية تحديداً، ومما يؤكد ذلك تركيزهم على حلفاء المملكة في المنطقة، وأقصد مصر والإمارات والبحرين وهي الدول المقاطعة لقطر، وتجنبهم الحديث عن عمان والكويت، مع أن كل ما يحدث في هذه الدول المستهدفة يحدث في دول إسلامية أخرى.

بعضهم يحظى بمتابعة واسعة ويتلقى ردوداً وتأييداً من معرفات مجهولة بعشرات الآلاف، معظمها صمم بطريقة توحي بأن صاحب هذا الحساب سعودي يعيش في البلاد. في حسابات المتابعين نجدهم يضعون اسماً سعودياً عاماً ينتمي إلى قبيلة سعودية مثلاً، وفي الخلف توجد صورة للملك سلمان أو ولي عهده أو علم المملكة، وهذه خلفيات يضعها السعوديون الحقيقيون في مواقهم، بينما وبتدقيق بسيط يكتشف المتابع أن هذا الحساب في الواقع وجد فقط للرد على الحساب الأصل بالتأييد المطلق وإعادة النشر (ريتويت). كما يتضح لأي مراقب أن الحساب الأصل ذو المتابعة العالية لا يديره شخص واحد كما قد يتوهم البعض، بل يعمل كمؤسسة متكاملة الأركان تشتمل على إنتاج الأفلام القصيرة والمقاطع المؤثرة على عاطفة العوام. طبعاً لا يمكن التصديق بأن هذا العمل يعتمد على قدرات مالية فردية من دون وجود دعم مالي كبير.

على أن هذه "الحتوتة" وبفضل ارتفاع الوعي لدى السعوديين في السنوات الأخيرة، لم تعد تنطلي على الغالبية العظمى. قبل أسبوعين يكتشف مغرد سعودي بارز ومعروف بأن هذه الحسابات التي تتظاهر بوجودها داخل المملكة وتدافع عن "الدين" و"القيم" تدار في الواقع من تركيا والدوحة وبواسطة شخص قطري معروف. وضع المغرد الأدلة الواضحة التي لا يمكن انكارها وسببت لدى أولئك بعض الارتباك وقد يظهر المزيد من مثل هذه الاكتشافات في ما بعد. شخصياً، وجدت الكثير من التسلية في ممارسة الحظر المتاح من قبل شركة "تويتر" عندما بدأت تتكشف أمامي مئات المعرفات المزيفة وارتفع عدد من حظرتهم إلى الألف اسم.

لو يبادر السعوديون وغيرهم إلى تطبيق الحظر على أي معرف يشتبه بتوجهاته، لما وجد أولئك من يقرأ لهم ولا وجدوا أنفسهم من يقرأون له.

&