& &زهير الحارثي

&

&محنة وأزمة وعي عميقة تعيشها شرائح متطرفة ومتشددة في الكثير من المجتمعات، لم نعد قادرين على التمييز بين ملة هذا وجنس ذاك فقد اختلط الحابل بالنابل وبقي الإنسان هو الضحية في نهاية المطاف. هذا واقع يكشف وبجلاء عن نماذج لشخصية إنسان مأزوم..

أحداث ما زال يذهب ضحيتها أبرياء وتظل الأبواب مشرعة للتساؤلات الحارقة حول دوافعها وخفاياها ومن يقف وراءها. عمليات إرهابية بشعة ومشاهد تقشعر لها الأبدان في عصر بدا ظلامياً وقاسياً وكأنه يسير إلى نهايات مؤسفة. المشهد الراهن ينتابه البؤس والخيبة والحزن لأن الصورة لمشاهد باتت أكثر دموية ومأساوية. أغلب ملامحها ينهشها العنف المريض ولا شيء غير العنف. رائحة الموت والبارود ومشاهد الدماء وأشلاء الجثث، كلها صور مخزية ومؤلمة في آن واحد وترتكب باسم أسباب واهية. رأيناها في نيوزيلندا وسري لانكا وسنراها في أماكن أخرى. لم يعد استهداف الغرب أو غير المسلمين هو الغاية بل اتجهت بوصلة العنف لصدور المسلمين أنفسهم. بات من الصعوبة بمكان فهم المسوغ لأفعال العنف والتي تهدف إلى تشويه مبادئ الشريعة والقيم والأخلاق وتقف ضد إنسانية الإنسان وقيمة الحياة. الغريب أن حال الكراهية لدى تلك العقليات هي في أنها تعيش كما يحلو لها وتملي هي عليك ما تراه صحيحاً في العيش وطريقة الحياة. وأفلام داعش لم تغب بعد عن الذاكرة.

محنة وأزمة وعي عميقة تعيشها شرائح متطرفة ومتشددة في الكثير من المجتمعات، لم نعد قادرين على التمييز بين ملة هذا وجنس ذاك فقد اختلط الحابل بالنابل وبقي الإنسان هو الضحية في نهاية المطاف. هذا واقع يكشف وبجلاء عن نماذج لشخصية إنسان مأزوم، كونها تعارض كل ما يخالف ما اعتادت عليه. أزمة الوعي لها مظاهر كما يقول الكاتب باقر جاسم، وهما وعي ذاتي مأزوم ووعي موضوعي حر. "فالوعي الذاتي المأزوم هو وعي ينتسب إلى الماضي. ويبني موثوقيته على إعادة إنتاج خطاب متشنج وأصولي لا يعبأ بمتغيرات العصر وبالتالي يعجز عن فهم الواقع. بينما يستمد الوعي الموضوعي الحر موثوقيته من صلته العميقة بالعصر ومتغيراته دون أن يغفل عن ضرورة وعي الماضي بسلبياته وإيجابياته، ولذلك فهو أكثر قدرة على معالجة قضايا الواقع". الشخصية المأزومة تزرع الكراهية وتناصب العداء وتميل للتشاؤم والانعزال والتقوقع. لا تؤمن بالاختلاف وتحتكر الحقيقة المطلقة وتستنفر طاقتها لكل من لا يتفق معها بل وتهاجمه بضراوة حتى لو تطلب الأمر استخدام العنف معه. تكرس السيطرة والتباهي والإصرار على اليقينية ورفض الانتقاد واستهجان الرأي الآخر وكيل الاتهامات المبالغ فيها لمن يخالفها وهذا يعود إلى بنيتها الفكرية فضلاً عن النرجسية المتضخمة داخلها.

إذن الإشكالية تكمن في آلية التفكير، ولذا لا تتعجب من سلوك ممن يحملون هذه العقلية لاسيما في تعاملهم مع قضايا العصر، وتأمل حقيقة الأزمة حيث تجد محيطها الأخلاق والوعي والفهم، والسبب يكمن في معضلة التشدد والتطرف فضلاً عن شبق تلك الجماعات للسلطة والمادة وكأن الحياة لديها ما هي إلا ساحة للإشباع الأناني وإشباع الشهوات، ناهيك عن فئة أخرى قلوبها جامدة صلدة أرخصت قيمة الحياة وجمالياتها ومتعتها وفقاً لقناعات ليست بالضرورة صحيحة. أمر لا يستسيغه العقل عندما تستمع لما يقولونه وتقارنه بما يمارسونه من أفعال. مشاهد لا تمت بصلة للإنسانية وموجعة ولكنه الواقع رغم كل الآلام والدموع والأوجاع ولكنها أفعال الإنسان.

سبق أن ذكرت مراراً أن غياب الوعي أو تغييبه هو أزمة مجتمعاتنا العربية طالما إن الذهنية ما زالت تلامس القشور وتعيش في الماضي وتعيد إنتاجه. هذه المعاناة هي المدخل لاستقطاب العناصر واختراق عقول الشباب وتجنيدهم. تجربة داعش مثال حي لهكذا عقلية بدليل مشروع دولة البغدادي التي تلاشت، وبالتالي تصح عليها رؤية باقر حينما يشير إلى أن "الوعي الذاتي المأزوم ما هو إلا غطاء للطموحات الشخصية والزعامات الكارزمية لأنه يقوم على فلسفة القوة والغلبة وهي فلسفة ترى أن الأمر بحاجة إلى شخصية تتجسد فيها آمال الأمة، بينما يؤكد الوعي الموضوعي الحر على أن الحركة الاجتماعية أكبر من الأشخاص، وأن الحراك التاريخي للمجتمع يتجاوز الأفراد لأنه نتاج صيرورة اجتماعية معقدة ".

مأساة هؤلاء المأزومين سببها غياب ثقافة التسامح والتعايش والتشبث بقناعات مؤدلجة، ما يجعلهم يعانون من اضطراب في الشخصية وبالتالي غير متصالحين مع أنفسهم فأصبحت لهم حياة ولكنها منفصلة عن الحياة. أليس كذلك!










&