& عبدالحق عزوزي

&اجتمعت، كما كتبت الأسبوع الماضي، بشرم الشيخ، صفوة من الخبراء والمختصين في إطار ندوة تحالف عاصفة الفكر في نسختها الثامنة في موضوع يشغل بال الجميع، وهو «مستقبل التعليم والبحث العلمي في العالم العربي». ويتطرق التحالف خلال لقاءاته كل مرة إلى المسائل العربية التي هي بحاجة للفهم والشرح والتشخيص والتنظير، وهي أصول العلمية الحقيقية والأكاديمية التي ندرّسها لطلبتنا في الجامعات والمؤسسات العليا. وهذه الموضوعية والعلمية التي يسير عليها التحالف وتسم تدخلات كل المشاركين، هي التي تعطي قيمة لا يعلى عليها للتوصيات والمعلومات والبيانات التي يمدها التحالف من أجل دعم صانع القرار في العالم العربي.&

ومما جاء في التوصيات: ضرورة تطوير التعليم النظامي، وإشراك القطاع الخاص بفعالية في هذا الإطار، مع الاهتمام بالتعليم العالي وتوجيه طاقاته نحو البحث العلمي المتصل باحتياجات المجتمعات العربية، وتأكيد الاستثمار في الموارد البشرية.
كما أكدت التوصيات أن تكون خطة تطوير التعليم في أي دولة عربية عملية مستمرة ووفق رؤية استراتيجية متكاملة وراسخة، مع التشديد على أن مسؤولية التعليم لا تقع على عاتق الحكومات وحدها، وإنما يشترك فيها القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
وتناولت التوصيات أيضاً أهمية مواكبة المؤسسات التعليمية في مختلف المراحل متطلبات العصر الرقمي والتقني من أجل تفعيل أفضل سبل التواصل بين مكونات العملية التعليمية، والحرص على تغيير منظومة التعليم من أسلوب الحفظ والتلقين إلى الانتقال السريع نحو تنمية التفكير الإبداعي القائم على الاستنباط والتحليل والابتكار وتشجيع مبادرات بناء المدارس الذكية.


هذا ولم نهمل في توصياتنا دور الكفاءات العلمية والمراكز البحثية، بل قمنا بحثّ صناع القرار على الاستفادة من رؤيتها في اتخاذ القرارات التنموية وتفعيل المخرجات البحثية وربطها بخطط التنمية المستدامة، والعمل على اجتذاب الكفاءات الوطنية المهاجرة.
وخلصنا إلى أهمية دعوة الطاقم التربوي والتعليمي إلى التكيف مع العصر الرقمي ومتطلباته، وتحفيز خبراء علوم التربية والاجتماع وتقنية المعلومات على دراسة الآثار السلبية لتقنيات المعلومات على القيم المجتمعية، وتضمين مفاهيم المواطنة الرقمية والمواطنة العالمية المشتركة في مناهج التعليم، والمطالبة بتطوير قواعد أخلاقية فيما يتعلق بمنتجات التقنية تصميماً وإنتاجاً وتسويقاً واستخداماً.
ولا غرو أن دولا مثل الهند وبعض المدن والجامعات الآسيوية قد نجحت في تطوير البحث العلمي والتكنولوجي انطلاقاً من هذه التوصيات التي قدمها المشاركون في لقاء شرم الشيخ، وفق المنهج العقلاني الذي تتبعه السياسات العمومية لتلكم الدول الرائدة في مجال البحث العلمي الدقيق والعطاء الجامعي الذي لا ينضب، ومكنتها في الأخير من تحقيق المستحيل وبموارد قليلة، اللهم إلا ما تعلق بالموارد البشرية، وهذه نملكها نحن العرب أيضاً.&


ولا يخفى أن المجتمعات التي ستهيمن أكثر على العالم هي المجتمعات المبنية على المعرفة والمهارة والبحث العلمي المتطور والابتكار. والعالم العربي يسجل للأسف تأخراً كبيراً في هذا المجال، فإذا أخذت مثلا التصنيفات الدولية العالمية المعتمدة للجامعات كتصنيف شنغهاي، فالريادة دائماً للولايات المتحدة الأميركية، ثم بريطانيا ثم آسيا. وهذا التصنيف يعتمد فيما يعتمد على البحث العلمي المتميز المنشور في دوريات عالمية (40%)، كثرة الرجوع والإحالات إلى أبحاث أعضاء هيئة التدريس (20%)، حجم الأداء الأكاديمي قياساً إلى حجم المؤسسة (10%)، الانفتاح، الحضور والتأثير للمؤسسة العلمية في المؤتمرات والندوات الإقليمية والعالمية، فضلاً عن عدد الحاصلين على جوائز التفوق (خريجين وأساتذة) في التخصص وأبرزها جوائز نوبل (30%). والجامعات العربية دائماً في ترتيب متأخر جداً ضمن هذا التصنيف.
إن تنمية المهارات والعلم والبحث والتنمية والابتكار هي المفتاح الذي يسمح للدول العربية بكسب معركة التنافسية، وبالتالي معركة العولمة. ويتطلب التحدي من هذا النوع اعتماد نظام تعليمي قوي وذي جودة عالية، كما يتطلب رؤية واضحة في مجال التنمية التكنولوجية، وهذا هو الأساس لتحقيق الرفع من مستوى التنمية في الوطن العربي.

&

&