محمد العصيمي
أظن أنه عثمان العمير الذي أطلق في التسعينيات شعار صحيفة الشرق الأوسط: «الجريدة الناجحة لا تتثاءب». وقتها حقق هذا الشعار حضورا إعلاميا وجماهيريا لافتا إلى درجة أنه أصبح يُستعار ليطلق على كل شيء يُفترض أن يكون (مصحصحا) ومنتبها، حتى لا يفوته أي قطار إلى المحطة التالية. في هذا الزمن أصبحت ملاحقة قطارات الصحافة مكلفة ومرهقة، وفي الغالب تكون خاسرة كما هو حال بعض المؤسسات الصحفية التي أغلقت أبوابها وسرحت محرريها وكتابها واكتفت بمقاعد المتفرجين اليائسين. لذلك كنت، باعتباري كاتبا في هذه الصحيفة وقارئا تاريخيا لها، بمنتهى السرور والحبور حين فاجأتنا أمس بإعلان جاكيت يقول إنها، في سباق القطارات، وصلت إلى محطة متقدمة جدا وأصبحت أول صحيفة عربية بتقنية النسخة الرقمية E-PAPER.

طبعا أنا فهمي على قدي فيما يتعلق بتقنيات الاتصال أو تقنيات التواصل الحديثة، لكن، بما أنني إعلامي لا يريد أن يتقادم، أحاول أن أهتم بكل جديد يوحي بأن صحفنا تلاحق التيار الجارف لطبائع الإعلام الجديد. وهذه التقنية، التي وصلت إليها (اليوم) قبل غيرها من الصحف العربية، أفهم منها أن كل ما تحتاجه كمتلقٍ لمادة صحفية في هذا الوقت ستجده على شاشتك، كبرت أم صغرت. تستطيع، كما تحب، أن تتصفح وتقرأ، أو تستمع، أو تشاهد فيديو، أو تشارك المحتوى. وبإمكانك حفظ أي مادة بالطريقة التي تريدها، وأيضا يمكنك ترجمتها إلى أي لغة حية.

هذا يعني أن صحيفة اليوم لم تتجاوز مرحلة التثاؤب فحسب، بل قفزت بعيدا، على المستوى المحلي والعربي، في نسختها الإلكترونية، وأصبحت أكثر استعدادا لتلبية حاجات قرائها ومعلنيها الذين يتجددون بقدر ما تتجدد ويحضرون بقدر ما تحضر على شاشاتهم. القوة الآن للصحافة هي قوة الحضور الرقمي الذي لم يعد يقبل ذلك الجدال القديم أو العقيم بأن الصحافة الورقية بخير وأن ما تتعرض له هي حرب خاسرة على أية حال.

من سيفوته مزيد من قطارات الصحافة الإلكترونية المتسارعة محكوم عليه حتما بالاضمحلال شيئا فشيئا، حتى لا تبقى منه إلا الذكرى وجدران المتاحف.