& فهد الماجد

عندما ألقيت محاضرة «هيئة كبار العلماء والتعامل مع المناهج الحزبية والفكرية» بمعهد الأمير خالد الفيصل للاعتدال؛ كان الهدف إبراز منهج الهيئة في التعامل مع هذه الجماعات والأحزاب، ودائماً أقول: إن إبراز المناهج أهم بكثير من إبراز المسائل، والمسائل تأتي في سياق ذكر المناهج. في حين نرى أن البعض يبرز المسائل ويغفل عن المناهج.

أيضاً أوصيت في نهاية المحاضرة أن يكون خطابنا في مثل هذه الموضوعات مبنياً على دراسات موضوعية وتحليل منطقي يخاطب العقول، ومثل هذا الخطاب هو القادر على كشف عوار هذه المناهج بعكس الخطاب الإنشائي الذي نسمعه كثيراً، فقد يكون مردوده عكسياً.

ومن خلال هذه المحاضرة تبين الاختلاف الجذري ما بين هيئة كبار العلماء وجماعة الإخوان المسلمين، وركزت لإيضاح هذا الاختلاف على خمسة محاور، وليس هذا من باب الحصر، فيمكن - عند البسط - أن نصل إلى عشرين محوراً .

المحور الأول: الحاكمية.

نعرف أن المتقرر عند جميع المسلمين أن التحاكم إلى شرع الله فريضة من فرائض الدين، وجناية الإخوان في هذا المحور حين جعلوا الحاكمية النوع الرابع من أنواع التوحيد، وعن ذلك قالت هيئة كبار العلماء: «وجعل الحاكمية نوعاً مستقلاً من أنواع التوحيد عمل محدث لم يقل به أحد من الأئمة». إذن: نحن - الآن - أمام ابتداع في الدين. وخذ هذه القاعدة: كل فرقة أو جماعة تخرج عن منهج الإسلام الحق؛ فإنها تؤسس لخروجها ذلك على بدعة قولية أو فعلية.

وكان لهذه البدعة «أن الحاكمية النوع الرابع من أنواع التوحيد» نتائج أضرت بالمجتمعات الإسلامية كما سيأتي في المحور الثاني.

المحور الثاني: التكفير.

بينما حذرت هيئة كبار العلماء من المنهج التكفيري، وقالت عنه: «تأباه الشريعة والفطرة». نجد أن الإخوان المسلمين اشتغلوا على التكفير من خلال بدعتهم في الحاكمية، فكل من لم يعمل بالحاكمية على وفق تصورهم فإنه يعتبر كافراً؛ لأنه وعلى حسب زعمهم ترك النوع الرابع من أنواع التوحيد.

ولذلك نستطيع أن نقول: إن جماعات التكفير والإرهاب متولدة عن جماعة الإخوان، وقد أوضحت ذلك من خلال مستويين: «نظيري، وميداني»، في المحاضرة المشار إليها.

المحور الثالث: الجهاد.

قررت هيئة كبار العلماء عدداً من النقاط المهمة في هذا الموضوع، وجماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الحركية والمسماة زوراً الجهادية لا تتفق مع الهيئة في غالب هذه النقاط:

1- قررت - أي الهيئة - أن الجهاد ليس مرادفاً للقتال، فليس كل جهاد قتالاً، كما أنه ليس كل قتال جهاداً.

2- ربطت الجهاد الذي هو قتال بولي الأمر، وقالت: «بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين». بمعنى أنه تدبير عسكري لا يجوز للمسلم أن يبادر إليه بنفسه دون أن يدعو إليه ولي أمر المسلمين.

3- حرمت الخروج إلى مناطق الصراع والفتنة، وقالت: إن ذلك خروج عن موجب البيعة لولي الأمر، محذرة من يفعل ذلك من مغبة فعله ووقوعه فيما لا تحمد عقباه.

4- أوصت الهيئة الدولة بتعقب من يحرض الشباب على الخروج إلى مناطق الصراع والفتنة، معتبرة إياهم دعاة ضلالة.

المحور الرابع: العمليات الانتحارية.

اعتبرت جماعة الإخوان وبقية جماعات الإرهاب والفتنة: أن العمليات الانتحارية من الجهاد في سبيل الله بل من أعظم الجهاد، وأنه يجوز أن يدفع عليها من الزكاة، بينما اعتبرت هيئة كبار العلماء أن ذلك من قتل النفس، وصاحبه داخل في نصوص الوعيد التي جاءت بحق المنتحر، حتى لو كانت هذه العملية الانتحارية في عدو متفق على عداوته، ودللت على ذلك بعدد من النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة، بعكس هذه الجماعات التي تتمسك بالمتشابهات، وتتبع أهواء النفوس.

المحور الخامس: البيعة.

كل هذه الجماعات من الإخوان إلى غيرهم من داعش والقاعدة والهجرة والتكفير لديها بيعة لمرشديهم ورؤسائهم، أما هيئة كبار العلماء فإنها تقرر: «أن البيعة لا تجوز لغير ولي أمر المسلمين على السمع والطاعة، والبيعة لغير ولي الأمر بدعة وباطلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)».

ويتضح من هذه المحاور: الفهم الراسخ من الهيئة للنصوص الشرعية، أيضاً: نظرها للأبعاد والمآلات، وكذلك: المفاصلة التامة ما بين كبار العلماء والإخوان، وأخيراً يمكن أن نقول: بهذه المحاور يتضح أن الهيئة مصدر أمان لشبابنا، وأن الإخوان مصدر خطر على شباب المسلمين.