FINANCIAL TIMES

كلير باريت&

هنالك أكثر من ثمانية ملايين شخص يعانون بشكل أو بآخر مشكلة الديون، في بريطانيا، مع ذلك، لا يتصل معظم هؤلاء الناس بالخط الهاتفي المخصص للحصول على المساعدة، إلى أن يصل وضعهم المالي إلى حافة الانهيار.

عادة ما تكون مشكلة الديون معركة خاصة. ومن المرجح أن يكون قد مضى على الذين يتصلون عامين من المعاناة، فيما يغرقون في مزيد من الديون والتنقل بين دائنين متعددين، إلى أن تستنفد جميع الخيارات المتاحة أمامهم.

عندما يتناولون الهاتف في النهاية، سيلجأون إلى مستشار مدرب يعمل في مركز للمساعدة مثل السيدة التي زارها أخيرا قسم "ف. ت. مني" في صحيفتنا.
"صباح الخير، مرحبا بكم إلى مشروع خطة الدفع أي "بي بلان". تتحدث معكم جوليا. كيف يمكنني تقديم المساعدة؟"

في مسقط رأس السيدة الحديدية


كواحدة من أكبر جهات تقديم خدمات المشورة المجانية المتعلقة بالديون، فإن شركة بي بلان تشغل خط المساعدة من خلال مكاتبها الواقعة في مبنى قديم، يعود إلى حقبة الستينيات في جرانثام في لينكولن شاير، مسقط رأس السيدة الحديدية مارجريت تاتشر.
"حاول العيش بحسب إمكاناتك، وحاول توفير المال للأيام الصعبة، وادفع الفواتير في الوقت المحدد".
هذه النصيحة، التي غالبا ما يتم اقتباسها من خطابات السيدة الحديدية، هي عبارة وجد أكثر من 100 ألف شخص ممن اتصلوا بخط المساعدة الذي توفره "باي بلان" خلال العام الماضي أنهم غير قادرين على اتباعها.
أول عمل يقوم به الموظفون هو الحصول على رقم جهة اتصال في حال انقطع الاتصال.
تقول امرأة في الخمسينات من عمرها وتعاني ديونا تبلغ 20 ألف جنيه استرليني: "أتصل بهم من خلال هاتف ابني. ليس لدي جوال - لا أستطيع دفع ثمنه".
تسأل جوليا راوند، المستشارة التي تعمل لدى "بي بلان" وتجيب على المكالمات الواردة، إن كانت تستطيع الحصول على رقم هاتف ابنها. "كلا، لا أريد أن يعرف ابني بالموضوع".
ثمة متصل آخر وهو رجل في أواخر العشرينات من عمره، يتكلم بالتسليم الهادئ بالأمر الواقع من رجل لم يبق لديه ما يخسره.
يقول إنه يجلس أمام كومة من الرسائل يمنعه خوفه الشديد من أن يفتحها.
معظم هذه الرسائل هي فواتير تجاوزت تواريخ سدادها، وبعضها تحول إلى مطالب مقدمة من قبل شركات تحصيل الديون، أو استدعاءات مقدمة من المحاكم المحلية بسبب عدم تسديد الديون.
على الطرف الآخر من الهاتف في جرانثان، تستعرض المستشارة شانون نوثديرفت بهدوء الديون التي يعترف المتصل أنه كان يخفيها عن شريكته - وهو موقف تقول شركة بي بلان إنه شائع ومألوف لدى ثلث المتصلين.
كل دائن تدخله إلى النظام يظهر اسمه باللون الأحمر.

"من مرسل الرسالة؟"
"وكم هو مبلغ الدين؟"
"هل هنالك رقم مرجعي؟"

تكرر بكل صبر هذه الإجراءات مرة تلو الأخرى، حيث تكشف النقاب ببطء عن قائمة من عدد من الدائنين.
خلال فترة قصيرة، كانت الشاشة تظهر باللون الأحمر كليا. والمبلغ الإجمالي المدين به يتجاوز عشرة آلاف جنيه استرليني.
يقول المتصل إنه منقطع عن العمل منذ شهور. وكانت زوجته تدفع الإيجار، وكما علمنا لاحقا، كانت تسدد أيضا دفعات خطة سابقة كان قد لجأ إليها في محاولة للتخلص من الديون المتراكمة عليه.
فيما حولنا، تتكرر هذه العملية مرارا وتكرارا. يتعين على مستشاري الديون الحصول على صورة كاملة لكل الديون التي يتحملها الشخص، من أجل العثور على الحل الأفضل.
كما يتعين عليهم أيضا طرح أسئلة مفصلة حول دخل الفرد ومصروفاته من أجل تقييم ما يستطيع دفعه لتسديد الديون، وما إذا كانت بوسع "بي بلان" لعب دور الوسيط في خطة إدارة الديون مع الدائنين، أو استخدام أسلوب إشهار الإفلاس ليتسنى لهم شطب بعض الديون.
على الرغم من أن مشكلة الديون في الأساس قضية تخص ذوي الدخل المنخفض الذين لديهم عدد قليل من الأصول المملوكة، إلا أنها مشكلة تؤثر أيضا في الأشخاص ذوي الدخل الأكبر - ويمكن لتبعاتها أن تؤثر في مجموعة أوسع نطاقا بكثير، ما يؤثر في العلاقات الأسرية ويفرض ضغوطات على علاقات الصداقة.
قبيل استجابة الحكومة المتمثلة في تقديم استشارات لخطط تهدف إلى مساعدة الناس في التغلب على مشكلة الديون، تحدث قسم "ف. ت. مني" مع الأشخاص الذين يشغلون الخط الأولي في مجال إدارة الديون، من أجل استكشاف آثار هذه القضية في الأفراد والمجتمعات المحلية.

تطور مشكلة الديون

تحولت طبيعة مشكلة الديون على مدى العقد الماضي. يقول المستشارون إن الديون لا يكون سببها الإنفاق المتهور، بقدر ما هي النفقات اليومية.
يقول جون فيرهيرست، المدير التنفيذي لـ"بي بلان": "قبل الأزمة المالية، لم يكن من غير المألوف وجود ممرضة تعاني ديونا غير مضمونة، تصل قيمتها إلى 100 ألف جنيه استرليني".
تستذكر راشيل دافي، الرئيسة التنفيذية للشركة قائلة: "في ذلك الوقت، عادة ما كان العملاء مدينين بديون كبيرة من بطاقات الائتمان، ومن المحتمل أنهم أخذوا قرضا ثانيا على المنزل، وكانوا يعلقون في حلقة مفرغة من المبالغة في الإنفاق بشكل عام".
اليوم، بحسب ما يقول فيرهيرست: "الذين نقدم لهم يد العون لديهم مستويات ديون أقل ومستويات دخل أقل. في كثير من الأحيان، نشأت تلك الديون فقط من خلال الإنفاق على شؤون الحياة اليومية فقط".
المتصل العادي الذي يستعين بخط المساعدة المتاح من قبل شركة بي بلان يتحمل ديونا تصل إلى 15 ألف جنيه استرليني، فيما يبلغ دخل الأسرة أقل من ألفي جنيه استرليني في الشهر. يعيش معظم هؤلاء الناس في منازل مستأجرة، وغالبا ما يكون لديهم أطفال صغار في السن.
يقول فيرهيرست: "إن كان مستوى الديون الخلفية كافيا، يمكن أن يحدث شيء متواضع نسبيا - مرض أو إصلاح سيارة - وهذا هو ما يقلب الأمور رأسا على عقب".
الديون العالقة في المشكلات تعود على الأرجح إلى المنظمات الحكومية، حيث تضاعفت نسبة الأشخاص الذين يبلغون عن تعرضهم لمشكلات متعلقة بديون مستحقة إلى منظمات القطاع العام، من 21 في المائة إلى 40 في المائة خلال السنوات الخمس المنتهية في الفترة 2017-2018، وفقا لبحوث أجرتها مؤسسة سيتيزين آدفايس. خلال الفترة نفسها، انخفض عدد الأشخاص الذين يبلغون عن مشاكل تتعلق بديون القروض الاستهلاكية من 52 إلى 33 في المائة.
من الصعب الإصغاء إلى المحادثات التي تأتي عبر خط المساعدة، لكنها تتبع نمطا مماثلا. تعرض معظم هؤلاء الناس لمعاناة امتدت لشهور، إن لم يكن لسنوات.
بعضهم أبقى مشكلة الديون سرا، ويؤثر الإجهاد المصاحب للمشكلة في صحة الشخص العقلية. للأسف، من الشائع أن يقول المتصل إنه يشعر بأن لديه رغبة في الانتحار.
نحو ربع الأشخاص الذين حاولوا الانتحار العام الماضي، كانوا يعانون مشكلات ديون، وفقا لدراسة أجراها معهد سياسة المال والصحة النفسية MMHPI.
يبلغ معظم المتصلين عن قضايا تتعلق بمدفوعات الفوائد، ولا سيما دفعات المعونة الاجتماعية.

كما أن المشكلات المترتبة على دفعات الفوائد الزائدة شائعة أيضا. يجري تخفيض تلك الديون من خلال خفض مستويات العوائد في المستقبل، ويقول موظفو الخط الساخن إن الأفراد غالبا ما يتورطون في مزيد من مشكلات الديون نتيجة لذلك.
قدم آخرون لشركات المنافع، مثل شركات الغاز والكهرباء، الإذن بالحصول على المدفوعات مباشرة من منافعهم المقررة لهم، لتجنب فصل الخدمة.
تكلفة خدمة مستويات الديون الأكبر ترتفع بشكل مطرد. ويتخلف الناس عن مواعيد تسديد الدفعات.
وبالتالي ترتفع الرسوم. ويجري اقتراض مزيد من المال لتغطية الثغرات - وبالنسبة للذين لديهم تاريخ اقتراض متقلب، يأتي هذا الائتمان بتكلفة مرتفعة.
خلال زيارة لنا صباح أحد أيام الإثنين في آذار (مارس) الماضي، أفاد جميع المتصلين باستدانتهم المال من شركات إقراض متخصصة في البطاقات الائتمانية مثل كابيتال ون كلاسيك "بطاقة ائتمانية لذوي الائتمان الضعيف"، وفانكيس وأكوا.
كل تلك الجهات يراوح معدل نسبتها المئوية السنوية بين 35 و40 في المائة - ضعف نسبة البطاقة الائتمانية القياسية.
مع ذلك، يتضاءل هذا أمام أسعار الفائدة التي تتقاضاها بعض شركات الإقراض التي تقدم قروضا قصيرة الأجل.
بعض الأسماء التي يرد ذكرها هي أسماء تكاد تكون فكاهية – مثل "درافتي لونز"، وبيتشي، ومستر ليندر والعم باك وشعارها: "اسأل العم". مع ذلك، فإن أسعار الفائدة لديها بعيدة عن كونها فكاهية. يعرض الموقع الإلكتروني لـ"العم باك" معدل فائدة سنوي عادي نسبته 1249 في المائة".
بدلا من ذلك، ربما يكون الشخص المثقل بالديون قادرا على إقناع أحد أفراد العائلة أو أحد الأصدقاء بالحصول على قرض بضمان أحد الأشخاص.
شركة أميجو من أكبر المزودين في بريطانيا ممن يقدمون هذا النوع من القروض.
تقدم الشركة على موقعها الإلكتروني الوعد التالي: "أحصل على قرض لغاية غشرة آلاف جنيه استرليني على مدى أربع سنوات بضمان أحد الأشخاص، دون درجة ائتمانية". معدل الفائدة السنوي العادي هو 49.9 في المائة.
كان أحد المتصلين بالخط الساخن إلى "بي بلان" سيدة كانت قد حصلت على قرض مضمون من هذا النوع لشقيقها، لكن الذي حدث أن وضعها المالي تعرض للخطر عندما تخلف شقيقها عن تسديد الدفعات.
في المراحل اللاحقة من مشكلة الديون، يصبح من المستحيل التنقل بين شركات تسديد الدفعات أو الحصول على أية خطوط ائتمان جديدة. تتزايد حالات الإعسار. ويجري بيع الديون المعدومة لوكالات تحصيل الديون الخارجية، مقابل نسبة فائدة.
على الرغم من أن هذه الديون ربما تكون في الأصل مستحقة لمؤسسات معروفة مثل مصارف التيار الرئيس، إلا أن أسماء الشركات المسؤولة عن تحصيل المدفوعات ليست مألوفة إلى هذه الدرجة.
موظفو الخط الساخن يطبعون الأسماء نفسها مرارا وتكرارا، مثل شركات لانتيرن لاسترداد الديون، أو فرونت لاين لتحصيل الديون، أو كارتر فوربس لتحصيل الديون، أو بي دبليو ليجال، وفقا لموقعها على الإنترنت هي "شركة قانونية متخصصة في استرداد الديون وحائزة على جائزة".
في كثير من الأحيان، يكون طلب المأمور القضائي هو السبب في استثارة المكالمة الأولى، التي يتم من خلالها التواصل مع الخط الساخن لشركة بي بلان.
الطرق على الباب

دراسات لا تحصى انتقدت المجالس المحلية بسبب سرعة لجوئها إلى إنفاذ عملية تحصيل الديون الصغيرة نسبيا من خلال القانون، غالبا من خلال عملية مؤتمتة.
يقول ألستير تشيشوم، رئيس السياسة والشراكات في شركة بي بلان: "عملية جمع الضرائب من خلال المجلس عملية نشطة للغاية بحيث تدفع الناس إلى الوقوع في أزمات.
إن تخلفت عن تسديد دفعة واحدة فقط، ومن ثم باقي الدفعات، ستفقد تلقائيا الحق في الدفع من خلال أقساط شهرية.
ومن ثم ستتلقى فاتورة تشمل المبلغ بالكامل، إضافة إلى أتعاب المحكمة، التي يمكن أن تضيف مبلغا يراوح ما بين 60 إلى 120 جنيها إلى مبلغ الديون. وإن أرسلت المجالس محصلا قانونيا - وهي تفعل ذلك على الأغلب - حينها سيضاف مزيد من التكاليف أيضا".
توصلت البحوث التي أجرتها شركة بي بلان إلى أن أكثر من 62 شخصا في إنجلترا وويلز، تعرضوا لعقوبة السجن بسبب التخلف عن تسديد ضرائب المجالس في عامي 2016-2017.
تم اتخاذ هذا الإجراء القانوني عن طريق المحكمة والمتمثل في عقوبة الحبس ضد خمسة آلاف شخص آخر. في المتوسط، بلغت قيمة مبالغ ضريبة المجالس المتأخرة أكثر من ألفي جنيه استرليني لكل شخص - أقل من المستوى الذي يمكن حتى النظر فيه على أنه حالة إفلاس.
كما يمكن للمجالس أن تكون نشطة للغاية في سعيها الهادف إلى توجيه التهم.

تشير هيلين أوندي، الرئيسة التنفيذية لمعهد سياسة المال والصحة النفسية، إلى الحالة المأساوية التي تعرض لها الساعي جيروم روجرز البالغ من العمر 19 عاما، والتي نقلتها الدراما الوثائقية في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
بعد الفشل في تسديد غرامتي مرور بقيمة 65 جنيها، ارتفعت قيمة الديون المترتبة على جيروم، لتصل إلى أكثر من ألف جنيه استرليني. المحصلون تحفظوا على دراجته النارية. وبسبب عدم قدرته على العثور على مخرج من القضية، فقد انتحر.
تقول أوندي: "كما تقول والدته في البرنامج، لم تكن مشكلة الدين هي التي جعلته يشعر أنه لا مخرج له من هذا الموقف، بل كان السبب هو الطريقة التي أصبح يشعر فيها بشأن هذا الدين".
هذا الشهر طالب أعضاء لجنة العدالة التابعة لمجلس العموم التي تضم أعضاء من الحزبين، بإصدار قانون مستقل خاص بقطاع مأموري التحصيل من المحاكم. وقد سجلت مؤسسة سيتيزن آدفايس ارتفاعا نسبته 16 في المائة، في عدد الشكاوى المتعلقة بمشكلات المحصلين خلال العام الماضي.