بعد يوم واحد من انطلاق "عاصفة الحزم" في ربيع العام 2015، اجتمع الغرب مع إيران، لإنهاء الاتفاق على صيغة الاتفاق النووي، وتم إبرامه بعد أسبوع واحد من الجلسات المكثفة. كانت السعودية تقود معركة مصيرية لـ "إخراج إيران من جزيرة العرب"، وكان ممثلو الرئيس باراك أوباما والبقية، يثبّتون وجود طهران في صنعاء. وما نشهده من إرهاب إيراني رسمياً باستهداف النفط، سلعة العالم، هو من نتاج الاتفاق الفاسد.

ذلك "الاتفاق" السيء نصّ على مخاطر جمة، اعتمد فيها النظام سياسة شراء الوقت، ويمكن مطالعته في 159 صفحة، ومن الجيد إعادة قراءته هذه الأيام، إذ بشّر بتنازلات متتالية لمصلحة النظام، من دون ضمانات منصوصة عن نشاطه الخارجي، ومن ذلك إلغاء الأمم المتحدة حظر مبيعات السلاح، من إيران وإليها، العام المقبل 2020، تليه نهاية حظر برنامج الصواريخ الباليستية في العام 2023، ومن ثم رفع معظم القيود عن البرنامج النووي في العام 2026، قبل أن تنتهي كلها في العام 2031.

وعندما قرر الرئيس دونالد ترامب إلغاء الاتفاق، كان قد مضى على تفعليه أكثر من عامين، ولم تصدر من إيران خطوة واحدة إيجابية تعزز موقف من وقّع عليه، إذ تمادى النظام، وانتهك كل ورقة وقع عليها، وكل وعد شفوي قطعه. كان تمدده الدموي ورقة ابتزاز صريحة، لوّح بها في المفاوضات، ولم يتنازل عنها بعد المعاهدة. ونجد أنه كرر ما هو أسوأ عقبها، بمزيد من الانتهاكات والعبث في المنطقة، والمجاهرة بذلك بطراً وتحدياً للجميع.

ولولا إلغاء واشنطن الاتفاق، لكنا اليوم على مسافة عام واحد فقط من تشريع الباب أمام تحديث سلاح إيران، ومنه إلى وكلائها في المنطقة، وقد شهدنا إمدادهم طوال سنوات الحظر بالصواريخ والتجهيزات والتقنية، وإداراتها وتشغيلها وإطلاقها على إمدادات النفط إلى العالم؛ براً وسط السعودية، وبحراً شرق الإمارات.

والثلاثي الأوروبي، المنشغل بلم شتات الاتفاق النووي هذه الأيام، أصابته الربكة أمام استهداف النفط في الخليج عبر وكلاء إيران، وكأن الحدث غير متوقع، وكأن هذه الأفعال جديدة على المتهم، ففرنسا لم تدن الحادث في السعودية، واكتفت بالقول إنه "تصرف غير مقبول"، ومثلها بريطانيا قالت "إنه خطأ"، ولم تر ثالثتهما ألمانيا "أي مؤشرات على تورط إيران". ردود فعل دون المستوى، وتصل إلى درجة التخاذل، وعاجزة عن تسمية الأشياء بمسمياتها. أما عن حادث الإمارات، فحال الدول الثلاث "صم بكم عمي فهم لا يعقلون"، إذ لم يصدر منها أي تعليق.

كل يوم يمضي يثبت أن السعودية على حق في محاربة إيران في اليمن، وأن الرئيس الأميركي على حق في إلغاء الاتفاق النووي، فها هي بضاعته مست شريان العالم.