عماد الدين أديب

صحيفة الوطن المصرية

&

اختارت طهران التصعيد العسكرى الموجع ضد العقوبات الأمريكية عبر توجيه ضربات ضد مصالح وحلفاء واشنطن.

كان أمام طهران 3 خيارات للرد على وصول رغبة عقوبات ترامب إلى «تصفير» مبيعات النفط الإيرانى، وهى:

1- الرد بالمواجهة العسكرية الصريحة المكشوفة المباشرة مع الوجود الأمريكى فى المنطقة والعالم.

2- ابتلاع «شفرة العقوبات الحادة» والقبول بتسوية على الشروط الأمريكية بناء على حوارات مسقط السرية بين مسئولين أمنيين إيرانيين وأمريكيين برعاية عُمانية.

3- الرد بعمليات نوعية عبر الحلفاء والوكلاء المتحالفين مع طهران فى اليمن وسوريا والعراق وغزة ولبنان، وتوجيه ضربات لأصدقاء واشنطن فى السعودية والإمارات وإسرائيل، مع إنكار ونفى أى مسئولية إيرانية مباشرة عن هذه العمليات.

تم اختيار الخيار الأخير، وهو الرد عبر الوكلاء والحلفاء بهدف الإضرار بالمصالح الاقتصادية عبر ضربات أمنية.

وكان ما قامت به قوى «التحالف مع إيران» هو رسالة مفادها الآتى:

«إذا كنتم فى واشنطن تريدون تصفير مبيعاتنا من النفط، فنحن سوف نضرب لكم 4 ناقلات فى خليج عُمان عند الفجيرة، وسوف نضرب لكم أكبر خط أنابيب فى العالم داخل شركة «أرامكو» وهى الهدف البعيد، وضرب ميناء الفجيرة وهو قريب على بعد 115 كم من إيران».

اختصار الرسالة: «سوف نضرب نقل النفط ونهدده، وسوف نضرب استخراج وتصدير النفط ونعطله».

الحسابات الإيرانية ذات خصوصية مطلقة، فهى تتصرف بسياسة إقليمية لأهداف دولية ولكن لأسباب -بالدرجة الأولى- داخلية.

السياسة الخارجية الإيرانية محركها الأول هو حسم انتصار تيار المرشد الأعلى المتشدد الأيديولوجى العقيدى المذهبى، الرافض للحوار أو التسوية السياسية مع «الشيطان الأكبر» الجالس فى البيت الأبيض.

ولإنعاش الذاكرة، فإن المرشد الأعلى قال عند إتمام الاتفاق النووى بين إيران ودول «خمسة زائد واحد»: «إننى لا أثق فى أى اتفاق برعاية أمريكية ولا أعتقد أن الأمريكيين سوف يحترمونه ولكن مساعدى أكدوا لى أن الاتفاق لمصلحة الشعب الإيرانى لذلك أوافق على مضض».

وبالفعل فعلها ترامب، وخرج من الاتفاق، وأصبح الآن للجنون الإيرانى مبرر قانونى يتشدقون به وهو «إننا فاوضنا، ووقعنا، واحترمنا توقيعنا، وثبت من قبل هيئة الطاقة الذرية التى فتشت علينا 14 مرة حتى الآن أننا لم نخالف شروط وتعهدات الاتفاق، بينما واشنطن هى التى تنكرت، وفسخت، وعاقبت».

وبقينا نحن العرب أمام جنونَين:

- جنون من يلتزم بعدم تخصيب المياه الثقيلة لكن يتسبب فى دماء كثيرة فى اليمن وسوريا والعراق وغزة.

- جنون من طرف أمريكى قرر أن يعاقب دولة وشعباً حتى تركع على ركبتها معتقداً أن العقوبات تجعل النظام فى طهران أكثر قبولاً ومرونة لأى شروط أمريكية وليس العكس، فالعقوبات شدت من سواعد التيار المتشدد الذى يثبت أن واشنطن لا ينفع معها تفاوض ولكن مواجهة لا تعرف الرحمة.

ماذا طلب ترامب من الإيرانيين فى مسقط؟

المعلومات تقول:

- تخرج إيران من سوريا.

- تخفف إيران من وجودها الأمنى فى العراق.

- توقف إيران دعمها للحوثيين فى اليمن.

- توقف إيران تجاربها المستمرة فى تصنيع وتطوير الصواريخ الباليستية التى تطال الخليج وإسرائيل.

وماذا طلبت إيران؟

طلبت إيران الاعتراف بحق وجودها الشرعى فى سوريا والعراق على أساس أنها موجودة بطلب رسمى من السلطات الشرعية هناك لمحاربة داعش وقوى الإرهاب التكفيرى، على حد قولهم.

وطلبت إيران اعتراف واشنطن بحقها فى دعمها لحماية الحوثيين، الذين يعانون -على حد وصف الإيرانيين- من اعتداء دول التحالف عليها ودون أن تعترف بأى دور داعم لإجراءات وجرائم التخريب الحوثية.

الشىء الوحيد الذى أظهرت فيه طهران إمكانية المرونة والمقايضة هو موضوع الصواريخ الباليستية.

هنا يرتفع منسوب التصعيد المجنون من كل طرف:

- الإيرانى ضرب 4 ناقلات، وسيَّر 7 طائرات بدون طيار لضرب خط فى أرامكو.

- الإيرانى هدد بإغلاق مضيق هرمز الذى يمر منه 45٪ من نفط العالم.

- الإيرانى هدد على لسان الرئيس روحانى بإمكانية الخروج التدريجى من الالتزام ببنود الاتفاق النووى والتوقف عن بيع الماء الثقيل، والبدء فى إجراءات التخصيب.

بالمقابل يرد الأمريكى على النحو التالى:

1- نقل حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة «إبراهام لينكولن» وهى من الأفضل داخل الخدمة العسكرية الأمريكية، وقد ساهمت قبل ذلك فى حرب العراق وقامت بقصف السواحل.

2- تحويل مسار حاملة الطائرات الأمريكية من الرسو قبالة سواحل ليبيا التى كانت تهدف لمتابعة الحرب الأهلية الليبية، إلى منطقة مياه الخليج العربى.

3- نقل مجموعة من الطائرات القاذفة ذات المدى الطويل وطائرات الـ«بى- 52» إلى مناطق قريبة من الخليج.

والمعلومات تؤكد أن مستشار الأمن القومى الأمريكى «جون بولتون» طلب من وزارة الدفاع وهيئة الأركان والمخابرات الأمريكية خطة جديدة تقوم على توجيه ضربة «شلل إلكترونى عبر قنبلة كهرومغناطيسية» تعطل كل أجهزة الطاقة والاتصالات فى إيران، وهو سلاح حاسم لا قِبَل لأى قوى رادعة مضادة له أن توقفه إلا إذا كان رد الفعل ليس ضد أهداف أمريكية ولكن ضد الحلفاء العرب فى المنطقة عبر أسلحة دمار تقليدية.

الخطأ المشترك الذى يتفق فيه خامنئى وترامب، هو ضعف تقديرهما لحقيقة القوى المتوافرة لدى معسكر الاعتدال العربى (مصر والسعودية والإمارات).

الأمريكى يشعر بغطرسة القوة دولياً وكونياً، والإيرانى يشعر بغطرسة وبقوة إقليمية عبر قواه الذاتية وامتدادها فى المنطقة.

وكلاهما يعتقد خاطئاً أن إيران تستطيع أن تضرب دون رد فعل، وأن واشنطن هى التى تستطيع -وحدها- أن تحمى وكأننا أشباح لا حول لنا ولا قوة.

بدون شعارات ولا عنتريات ولا مبالغات، يجب أن يعرف الجميع أن أى تجاوز للأمن القومى لقوى الاعتدال العربى سوف يتم الرد عليه بقوة ذاتية دون الحاجة إلى استئجار عضلات أو «بودى جارد أمريكى».

دون مبالغة علينا أن نقول الآتى:

- يبلغ عدد القوات المسلحة العاملة بمصر والإمارات والسعودية تحت السلاح مليوناً ومائتى ألف، وتحت طلب الاحتياط 3٫5 مليون.

- ترتيب الجيش المصرى فى جيوش العالم هو التاسع.

- سلاح البحرية المصرى هو الأقوى فى أفريقيا والبحر الأحمر والمتوسط.

- مصر هى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تمتلك حاملتى طائرات هليكوبتر.

- سلاح الجو الإماراتى هو، حسب تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية فى لندن، هو صاحب أقوى قوة نيران فى المنطقة.

- السعودية صاحبة أكبر عدد من الطائرات الأمريكية القاذفة والمقاتلة.

- التنسيق العسكرى بين القاهرة والرياض وأبوظبى على أعلى مستوى ويمكن رصد 11 مناورة مشتركة برية وبحرية وبأسلحة مشتركة فى العامين الماضيين.

- التنسيق المعلوماتى الاستخبارى بين مخابرات الدول الثلاث على أرفع مستوى وفى كل مجالات التعاون الممكن وغير الممكن.

- الصناعات العسكرية فى الدول الثلاث تقدر بـ60 مليار دولار، والإنفاق العسكرى السنوى يقدر بـ42 مليار دولار مجتمعاً.

وكما يقول المثل المصرى الشعبى «ما يمسح دمعك عن خدك إلا كفك»، فإن الرد آتٍ لا ريب فيه ولكن من المنطقة.

فى هذا التصعيد لا بد من الفهم العميق لحقيقة مواقف الأطراف:

- الاتحاد الأوروبى أكثر المواقف «ميوعة وغموضاً».

- الروسى أكثر المواقف انتهازية بمعنى هو على استعداد أن «يذهب إلى الفراش» مع من يدفع أكثر.

- التركى والقطرى أكثر من يغذى التصعيد فى المنطقة.

- العُمانى يبحث عن مكان يعود فيه الطرفان لمائدة مفاوضات مسقط.

- الأمريكى لن يرسل طلقة أو جندياً إلا إذا قبض الثمن مضاعفاً، ولن يتحرك مجاناً إلا فى حالة واحدة وهى حالة الدفاع عن الحليف الإسرائيلى.

- أما إسرائيل فهى أكثر طرف يسعى لمواجهة عسكرية مباشرة وجهاً لوجه مع إيران لتدمير القدرات العسكرية للحرس الثورى الإيرانى.

- العراق، فى أكثر المواقف إحراجاً لأنه فى صراع بين الارتباط العضوى مع المرجعية السياسية والمذهبية مع إيران من ناحية والارتباط الأمنى والعسكرى مع واشنطن.

الذى يعرف محمد بن زايد ومحمد بن سلمان (مع حفظ الألقاب) يعرف أنهما شخصان شامخان لا يعرفان قبول الابتزاز أو الضغوط من أى طرف كان وعلى استعداد للوصول حتى نهاية العالم للحفاظ على سلامة الأوطان وسيادة المواطنين على وطنهم.

كان من الممكن أن يختارا الحل السهل مثلما فعلت قطر، ويدخلا فى تحالفات مع طهران ويهادنا اليمن ويغضا البصر عما يحدث فى العراق وسوريا وليبيا لكنهما اختارا المواجهة مهما كانت التكاليف. والذى يعرف كيف يفكر الرئيس عبدالفتاح السيسى يعرف جيداً أن لديه أولويتين، هما:

1- سلامة الدولة الوطنية فى مصر.

2- إصلاح وإنعاش الاقتصاد فى مصر بهدف إنقاذ أحوال البلاد والعباد.

لكن الرئيس السيسى أيضاً بفهمه الاستراتيجى يدرك أن هناك خطوطاً حمراء فى الأمن القومى العربى، وأنه لن يقف موقف المشاهد السلبى فى حال تعرض أمن الأشقاء فى الخليج إلى أى عدوان صريح يمس بهم ويمس أيضاً سلامة أمن البحر الأحمر وقناة السويس.