&

&عبدالله بن ربيعان

كاتب ومستشار اقتصادي


دائما ما نتحدث بخوف عن احتمالية فقدنا لوظائفنا بسبب التقنية، والأتمته، والروبوت، والذكاء الاصطناعي، وتقنية البلوك تشين وغيرها مما نعرف وما لا نعرف، وهو تخوف مبرر بسبب ما تقذفنا به وسائل الإعلام من أخبار وتقارير مثل "التكنولوجيا ستقضي على خمسة ملايين وظيفة في 2020"، و"60 في المائة من الشركات ستكون مؤتمتة خلال السنوات الخمس المقبلة"، و"46 في المائة من الوظائف ستجد نفسها مهددة أكثر وأكثر خلال السنوات العشر المقبلة"، وغيرها كثير من العناوين المرعبة لنا نحن بنو الجنس البشري.
بالطبع، إذا ما انسقت وراء هذه العناوين وتابعت هذه التقارير فستجزم أننا نحن أبناء آدم وحواء لن يبق لنا إلا أن نجلس في بيوتنا ونلعب "البلوت" من كثرة الفراغ؛ ونغرد على «تويتر»؛ ونتابع الصور والمقاطع على موقعي فيسبوك وسناب شات؛ فالتقنية لن تترك لنا شيئا مفيدا يمكننا القيام به، وأي شيء نستطيع عمله يستطيع الروبوت والأتمتة أن يفعلاه بشكل أفضل.
بالتأكيد، كثير مما نسمعه ونتابعه اليوم عن السيارة التي تقود نفسها، والمذيع الآلي الذي يقدم نشرة الأخبار، والروبوت الذي يهزم أبطال العالم في الشطرنج كان إلى وقت قريب لا يتعدى أفلام الخيال العلمي "أو ما يسمى بأفلام Sci-fi"، ولكنه اليوم ومع تقدم التقنية وذكاء الآلة تحول إلى حقيقة نشاهدها بأعيننا ولا نحتاج إلى أن نذهب للمحكمة ولا أن نطلب شهودا لإثباتها.
فيما يخص موقفي الشخصي، ما زلت - مثل كثيرين - في مرحلة الإنكار الأولى لقدرة التقنية على الحلول مكاني كأستاذ جامعي يدرس للطلاب ويصحح أوراق امتحاناتهم، وهذا الإنكار قد يكون ناتجا عن عدم معرفتي بالتغيرات السريعة التي يشهدها عالم الذكاء الاصطناعي، ولأن الحكم على الشيء فرع من تصوره، فأعترف أن الصورة ما زالت مشوشة في ذهني عن تهديد الآلة والروبوت لوظائف جيلي والجيل الذي يليه.
إلا أنه على اليد الأخرى، فإن يقيني المؤكد يقول إن الذكاء الاصطناعي لا يقابله الغباء الإنساني، بل إن ذكاء الآلة مكمل لذكاء الإنسان، وسيظل ذكاء الإنسان مقدما على ذكاء الآلة، لأن ذكاء الإنسان هو من أوجد وطور الآلة وجعلها ذكية. وما ذكرته عن تكامل الإنسان مع الآلة هو ما قاله بول داوخرتي رئيس قسم التكنولوجيا والابتكار في شركة Accenture نفسه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس 2018، حيث لخص مستقبل الأتمتة في عبارة واحدة قائلا إن: "الإنسان + الآلة = قوة عظمى". (المصدر: aitnews.com).
وما أنا متأكد منه أيضا أنه مثل ما أن هناك وظائف ستختفي فإنه هناك بالمقابل وظائف جديدة ستتوافر، ولكن الوظائف الجديدة لن تكون وظائف روتينية مثل وظائف اليوم؛ فميزة التكنولوجيا أنها تقلل الأعمال الروتينية وتزيد فرص الوظائف التي تحتاج إلى مهارات نوعية عالية، وهنا مربط الفرس والمشكلة التي تواجهها الحكومات وأجهزة التعليم والتدريب اليوم. فوفقا لتقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "فإننا اليوم أمام تحول عميق في أسواق العمل، إذ باتت الحاجة ماسة إلى خريجين متخصصين أكثر من ذي قبل، في مقابل حاجة متناقصة سنويا إلى الكفاءات المتدنية، كما أن الكفاءات المتوسطة يجب أن تنحسر لتتوسع على حسابها كفاءات أخرى أعلى تخصصية"، "الشرق الأوسط، 27 نيسان (أبريل) 2019".
ختاما، التقنية والذكاء الاصطناعي قادمان لا محالة وبقوة، ولن تنفع معهما حالة الإنكار التي أعيشها أنا وغيري اليوم، ولابد أن نكون مستعدين لها بثقة وثبات من خلال تزويد شبابنا بالعلوم والتأهيل والمهارات اللازمة لثورة التقنية والتكنولوجيا التي نشهد بداياتها اليوم ولا نعلم أين ستقف. والأهم ألا نقف متفرجين حتى يفوتنا القطار، وكذلك يجب ألا نتوقف عن إنشاء مشاريعنا الجديدة والتوسع في مشاريعنا القائمة التي توفر فرص العمل لشبابنا بحجة أن التقنية مقبلة وستقضي على فرصنا في التوظيف والنمو، فلنعمل اليوم ولنكن مستعدين للغد. والكرة بالتأكيد في ملعب وزارة التعليم والجامعات السعودية لتغير جلدها وتخرج من عصر التلقين والحفظ إلى عصر ذكاء الآلة والتفكير العلمي، كما أن أي مشاريع جديدة توقعها الحكومة يجب أن يكون فيها شرط تعليم شبابنا وتأهيلهم في مجالات التقنية والأتمتة والروبوت والواقع المعزز، وأرجو أن نبدأ من اليوم في التفكير والاستعداد قبل أن يفوتنا الركب ونبدأ بالتلاوم والتحسر والبكاء على اللبن المسكوب، وسلامتكم.