عدنان كريمة

بدءاً من أول مايو الحالي، رفعت المصارف اللبنانية معدل الفائدة المرجعية مجدداً على القروض بالليرة إلى 13,38 في المئة، وبالدولار الأميركي إلى 9,58 في المئة، مع العلم أن هذا المعدل يشكل أساساً لاحتساب سعر الفائدة في السوق، وهو عائم ويخضع لعاملي العرض والطلب والمنافسة المصرفية، وربما يكون أعلى من الفائدة المرجعية بعد إضافة مخاطر الائتمان والربحية. ومع وصول السعر إلى مستويات قياسية، زادت شكوى المدينين من رجال الأعمال والمستثمرين، وحتى الدولة وهي أكبر«المدينين» لدى القطاع المصرفي، خصوصاً أن هذا التطور يحد من الاستثمار في القطاع الخاص، ويناقض هدف رئيس الحكومة سعد الحريري بتكبير حجم النشاط الاقتصادي لحل مشكلة العجز المالي، وكذلك يناقض اقتراح وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش بخفض كلفة الدين العام عبر خفض الفائدة المصرفية، لأن كل خفض 1 في المئة للفائدة، يخفض الإنفاق 900 مليون دولار.
جمعية المصارف التي رفعت معدل الفائدة المرجعية بموجب التعميم رقم 1472019، تحاول أن تبعد عنها مسؤولية ذلك، على أساس أن الإطار النقدي المتبع في لبنان هو تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، أي أن السياسة النقدية يجب أن تتبع السياسة النقدية في الولايات المتحدة، وبالتالي تستند أسعار الفائدة في لبنان إلى أسعار الفائدة في أميركا، والفرق يمثل هامش المخاطر. وقد تبين أن الفرق كبير بين البلدين، فالفائدة في واشنطن وفق تسعير بنك الاتحاد الفيدرالي 2,6 في المئة، بينما تصل في بيروت إلى نحو 12 في المئة، فيكون الفرق 9,6 في المئة، ما يؤكد مدى أهمية هامش المخاطر التي تعترض الاستثمار وتنفيذ المشاريع في لبنان. حتى إن الثقة الدولية بهذا البلد تراجعت، وأصبح ينظر إليه في معظم التقارير الدولية بأنه يقع وسط منطقة عالية المخاطر الأمنية والسياسية، ويعمل قطاعه المصرفي في مناخ أعمال هو بدوره عالي المخاطر المالية والاقتصادية، خصوصاً مع تركيز الإدارة الأميركية على تشديد العقوبات ضد «حزب الله» وإبعاده عن النظام المالي الدولي ومحاصرة سبل تمويله.


في ستينيات القرن الماضي، عندما أطلق على لبنان لقب «سويسرا الشرق» كان يعتبر«ملاذاً آمناً» للاستثمار والمستثمرين، مستفيداً من الأموال الهاربة من بلدانها، وخاصة من مصر وسوريا والعراق، بسبب تطبيق «الاشتراكية» وصدور قوانين التأميم والمصادرة، وقد اختارت لبنان لما كان ينعم به من استقرار أمني وسياسي، وازدهار مالي واقتصادي، ونظام ليبيرالي يوفر حرية التعبير والعمل، فضلاً عن أنه «جنة ضريبية» مع الإعفاءات والحوافز المشجعة للاستثمار. ولكنه خسر هذا اللقب منذ اندلاع الحرب الأهلية التي استمرت 15 سنة (1975 – 1990)، وما تلاها من توترات أمنية وسياسية، فقدت خلالها الدولة استقلالية قراراتها المهمة، نتيجة لانخراط لبنان في صراعات إقليمية حادة، ولذلك «أضاع» لبنان فرصاً استثمارية عدة، فهو لم يستفد من الاستثمارات العربية العائدة من الولايات المتحدة ودول أوروبا والتي كانت تفتش عن ملاذات آمنة، إثر الأزمة المالية العالمية عام 2008، كذلك لم يستفد من الفرص التي وفرها أمامه «الربيع العربي» من تدفق للأموال الهاربة من بعض البلدان العربية، وخصوصاً أموال السوريين. وإذا كان سبق للبنان أن عرف مراحل «ذهبية» مستفيداً من الفورات النفطية الخليجية، لكنه عجز عن تحويل وجهة أبناء الخليج من مناطق الاضطرابات إليه، لاسيما بعد تورطه في الحرب السورية عام 2013.
كل هذه التطورات السلبية، أفقدت لبنان ميزة دولية بأنه «ملاذ آمن» للأموال والمستثمرين، وانعكس ذلك بتحويل ميزان مدفوعاته من فائض إلى عجز كبير تجاوز الستة مليارات دولار بنهاية العام الماضي، وقد يتضاعف هذا الرقم في العام الحالي، استناداً إلى ضخامة العجز المسجل في الربع الأول والبالغ نحو 2,7 مليار دولار.

&

&