& سالم سالمين النعيمي

هل ُتصنّف مكانة الإنسان وُتحدّد آلية التعامل معه واحترامه وتقديره في المجتمع العربي وفق مكانته الأخلاقية، وما يقدّمه من خدمات للبشرية والقيم والمبادئ الرفيعة التي يكرّس حياته لنشرها والعمل بها؟ أم ُيصنّف الإنسان وفق العائلة أو القبيلة التي ينتمي لها ومكانته الاجتماعية وحجم الثروة التي يملكها والمنصب والسلطة؟ ففي الوطن العربي الكبير تحدّد خصائص لكل فئة سكانية، وينادي العرب بشكل يومي بالنقاء العرقي من على كل المنابر، ويأخذ هذا الأمر على أنه مسألة هوية وافتخار بالجذور وهو في الحقيقة ليس كذلك، وأفراد المجتمع اليوم يمثلون خليطاً يعكس نسبياً فقط الصفات الخلقية للعرب قبل الإسلام والسكان الأوائل لهذه المنطقة من العالم، وهي حقيقة يرفضها العقل العربي.


بل ُيعتبر التضارب والتنوّع في الحديث في المراجع التاريخية عن الصفات الجسدية الخارجية لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هجوم على الجنس البشري العربي، ويصرّون على أن سكان المنطقة اليوم يمثلون التطور الجيني والتأقلم مع البيئة في مناخ وظروف الجزيرة العربية وسكانها، ولو مشى أشدهم تعصباً اليوم في دول غير عربية كثيرة لكان شبيهاً بسكان تلك المنطقة، وهو أمر اعتيادي رجوعاً للهجرات البشرية وما حدث من تجانس واختلاط بين كل الثقافات التي كان للحضارة الإسلامية حضوراً كبيراً فيها، وقبل ذلك ما حدث أيضاً من اختلاط بين سكان الجزيرة والحضارات الأخرى لا يدع مجالاً عقلياً منطقياً لنظرية النقاء العرقي.


فالعنصرية ظاهرة أوسع من التمييز العنصري وهي أيديولوجية تؤكد بشكلٍ مباشر أو غير مباشر أن إحدى المجموعات تتفوق بطبيعتها على الآخرين، والتي ُتستعرض بصورة مبسّطة وعلنية في النكات العنصرية والتشهير والتي تكون متجذّرة في المواقف والقيم والمعتقدات النمطية للمجتمع، ويتم الاحتفاظ بها دون وعي، وقد أصبحت متأصّلة بعمق في الأنظمة والمؤسسات التي تطورت مع مرور الوقت. والعنصرية تعمل على عدد من المستويات -على وجه الخصوص- الفردية والنظامية والمجتمعية، ويقول علماء النفس إن العنصرية تولد من الخوف والقلق وأهمية التميّز والانتماء لمن هو شبيه بنا ويمثّل هوية مجتمعنا المباشر في البيئة المحيطة بنا والأقرب لنا، ومرآة لما نشاهده في أنفسنا وليس مجرد شعور بدائي بل يمتد إلى ثقافة الفرد ومجتمعه، والنسيج التاريخي للعنصرية والخوف من أن يشكّل شخصاً آخر خطراً على الهوية الوطنية أو أسلوب الحياة أو الشعور بالتفوق والفوقية.&
ويمكن أن تكون العنصرية أيضا نتاجاً للجهل والغطرسة لأن المرء ببساطة قد لا يعرف أفضل، وما تربى عليه وسمعه وقرأه وشاهده طوال حياته يؤكد مفاهيم ومعتقدات خاطئة يراها الفرد بأنها فضيلة، والنيل منها يعتبر بمثابة النيل من أهم مصادر الفخر والتفرّد بالنسبة له، وغالبًا ما يكون هناك فشل في فهم تأثير سلوك الفرد على الآخر وعدم القدرة على رؤية الأشياء من منظور شخص آخر، وبالتالي جعل المظهر امتياز اجتماعي وهو ما يذكرني بالعنصريين في أميركا، وحقيقة أن هناك أميركيين من أصل أفريقي يتعذّر تمييزهم جسديًا عن الأميركيين الأوروبيين. لذلك، فحتى «العنصريون حتى النخاع» يعترفون ضمنياً بأن جنس الشخص لا يتحدّد من خلال شكله، وفي المفهوم الشعبي فالمظهر هو تشخيص للعرق لكنه ليس مطابقًا له.


والفكرة الغريبة والتي مفادها أن العرق يتم بواسطة شيء موجود في سوائل الجسم - وخاصة الدم - وبالتالي ينتقل عبر «خط الدم» هي خرافة علمية، وأما المفهوم البيولوجي للعرق ينظر إلى أفضل فكرة بيولوجية للجنس (جينوم) على أنها اختصار تقريبي وجاهز للحديث عن ترددات الجينات بدلاً من مخطط تصنيفي يصف أنواعاً من الناس. ومع ذلك، فعندما يتحدث الناس عن العرق فإنهم دائماً ما يأخذون في الاعتبار المفهوم الشعبي ويخلطونه مع المفهوم البيولوجي، وما ُيسمى بالأعراق هي «مجموعات سكانية»، وأما من منظور علمي فلا يوجد سوى جنس بشري واحد هو (الإنسان العاقل)، وقبل نحو 1.2مليون سنة إلى ما قبل 100000 سنة كان الجنس البشري القديم من ذوي البشرة الداكنة، وما هيئات البشر اليوم إلا طفرات وراثية حدثت منذ الهجرة الأولى للإنسان الحديث من أفريقيا، ولو تمّ نشر الوعي بين صفوف المجتمع لقلّت حدة التخلّف والعنصرية.
وبما أن العنصرية منظومة مؤسسية قبل أن تكون اجتماعية فقط فالحدّ من مظاهر العنصرية ورفع الذات وتقديرها يجب ألاّ يعمينا عن إعادة النظر في سرد التاريخ العلمي وغير العلمي في عالمنا العربي الكبير، وهو ما يحتاج إلى محاكم ومراجعات كبرى، لعلّ وعسى.

&