& &عبدالحق عزوزي&

سبق وأن كتبنا الأسبوع الماضي عن خطر التنظيمات الإرهابية في أفريقيا جنوب الصحراء، وهؤلاء وأمثالهم جميعاً هم أصحاب الغلو والتطرف، ومهما تغيرت أسماء تنظيماتهم من «قاعدة» أو «بوكو حرام» أو «داعش» أو غيرها، فهم أصحاب الغلو في الدين، هم المارقون والخارجون عن الملة، وحاشا أن يكون لفكرهم صلة بالإسلام الحنيف الوسطي المعتدل. ويجب أن تتوحد الجهود بين الدول المسلمة والمعنية على أعلى مستوى. ونظراً لعولمة الحدود وصعوبة الجغرافيا، قد تتحول الوحدات إلى عناصر إرهابية عابرة للقارات، وهنا تكمن الخطورة، لذلك ينبغي خلق مجال للعمل المشترك الاستباقي لتكوين خطة طريق استباقية في المجال الأمني، دون أن ننسى خطة طريق استباقية في مجال الأمن الروحي للمسلمين، بتصور مناهج تربوية عصرية يتم تدريسها في العالم العربي للناشئة منذ نعومة أظافرهم. وهذا هو المهم؛ فنوعية منظومة التعليم في أوطاننا لها دور كبير في تفريخ هاته الشرذمة من الناس الخارجة عن الجماعة والملة، وإلا لكان الشباب المسلمون محصنين من الفيروس الملوث للعقول والقلوب، ولكانوا محصنين من ظاهرة الغلو في الدين، والغلو يكون خطيراً جداً حين يلبس لباساً دينياً.&
والغلاة ينحون نحو التبسيطية المخلة، فالأمر إما حق أو باطل، والموقف إما هدى أو ضلال، والألوان إما أبيض أو أسود، والحاكم إما ملاك أو شيطان، والشخص إما مسلم أو كافر، فلا تنسيب ولا تطييف ولا تعقيد ولا تشابك، وإذن فلا اختلاف ولا اجتهاد ولا عقل، ولا خطأ ولا شك ولا حرية ولا تطوير ولا تحسين.. وإنما الأشياء بسيطة حاسمة جاهزة حازمة، فتكون النتيجة سلبية وأحكامها هدامة واستنتاجاتها مصيبة آزفة ومواقفها داهية عظمى ليس لها من دون الله كاشفة، سرعان ما تتحول إلى إرهاب وعنف دموي.
لا جرم إذن، أن الاستثمار الفعال لإنقاذ الأجيال المقبلة يبدأ من نوعية منظومة التعليم ونوعية المدرسة في أوطاننا العربية. وحري بجميع المعنيين البدء فوراً بهذا العمل، تأصيلاً وتعميماً، وهي مسؤولية تاريخية جماعية. ففشل المنظومة التربوية التعليمية في بعض الدول هي التي أوجدت «بوكو حرام» وكل التنظيمات الإرهابية.

كما أن التنظيمات الإرهابية أصبحت أكثر ضبابية وأكثر توالداً، لأن الأوامر لم تعد تصدر إليها من أعالي جبال أفغانستان، وإنما تقوم بعملياتها انطلاقاً من مبدأ اللامركزية التنظيمية، ويعرف علماء القانون الإداري أنه في الدولة الموحدة يكون التقييم الإداري المبني على اللامركزية أكثر فاعلية وقوة من المركزية في نتائج اتخاذ القرارات على اختلافها. وعندما تدخلت فرنسا في مالي منذ سنوات لمواجهة التنظيمات الإرهابية هناك، اكتشف الإنسان العربي التواجد المهول لتلك التنظيمات ذات الأسماء المتنوعة، كما اكتشف وجودها العفن في كثير من البلدان، ابتداء من مالي ودول الساحل والصحراء، وصولًا إلى أفغانستان وباكستان، مروراً بإيران وسوريا وليبيا.. والقائمة طويلة. فهذه التنظيمات الجاهلة الضالة أتي على عقول منتسبيها لتخرجهم من الفطرة الإسلامية السمحة ومن العقلانية الدينية، إلى الهمجية المطلقة العمياء.&
علاقة مريدي التنظيمات الإرهابية برؤسائهم مطلقة، وهم أشخاص يحملون علماً ضيقاً أو جهلًا مطلقاً، ويكنون خضوعاً تاماً لتنظيماتهم المتطرفة، وينافحون بالسلاح لفرض مبادئ ضالة ومضلة تأتي على أبرياء من بني البشر وتقوض مبادئ التسامح والتعايش بين بني آدم.. والحل إذن يكمن في إعادة النظر في المناهج التربوية والتعليمية في العالم الإسلامي، وتجذير دروس الوسطية والاعتدال في المقررات.. فالوسطية في ديننا الحنيف من المسلمات، وهي منهاج وميزان للحياة السليمة، وبها تقوم قواعد الانتماء الحضاري وأبجديات التنمية، وهذا هو الإسلام الحقيقي الوسطي المعتدل.
ومثل المتناسي لضرورة الوسطية وقبول الآخر كمثل أولئك الذين وصفهم ابن خلدون في مقدمته، عندما تحدث عن أناس يتلذذون بتغيير حقائق التاريخ أو الخوض فيه دون الإلمام بقواعده، فزلت أقدام كثير منهم وعلقت بأفكارهم مغالطات، ونقلها عنهم البعض من أصحاب الغفلة وضعاف النظر من غير بحث ولا تمحيص، فاندرجت في محفوظاتهم. الكثير ممن يشعلون الفتن الطائفية في بعض الدول ينقلون إلى عوام الناس أموراً واهيةً، لا يرجعون حقائقها إلى الأصول المبنية على الرحمة وقبول الآخر، وهنا الطامة الكبرى.

&

&