& أمل عبد العزيز الهزاني

&

تسرَّبت قبل عامين مجموعة من التسجيلات الهاتفية لحمد بن جاسم آل ثاني، رئيس وزراء قطر السابق. كشفت التسجيلات عن شخصية محتقنة بالغضب، ارتكبت ما يتجاوزه الخيال في حبك الأحابيل ضد الخليجيين، أفراداً ودولاً، في الوقت الذي كان يظهر للساحة الإعلامية بوجه أليف مهادن يقطر لطفاً.
من ضمن هذه التسريبات اتصاله مع علي سلمان، رئيس جمعية الوفاق البحرينية المعارضة، وفحوى الاتصال يعكس ليس فقط شخصية بن جاسم، بل سلوك النظام القطري الحالي، في تلونه وعدم ثباته. كانت المناسبة دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين في عام 2011، دفاعاً عن الشرعية البحرينية، بعد

أن ثارت المعارضة المدعومة من إيران في شوارع المنامة، وارتكبت أعمال شغب عنيفة. بن جاسم يقول في الاتصال إن القوات القطرية أُجبرت على الدخول إلى البحرين مع قوات درع الجزيرة بسبب الضغوط عليها، لكنها غير راضية عن العملية!&
كرر النظام القطري تجربة الوجهين مع تحالف دعم الشرعية في اليمن، حيث انضمت قواته له شكلياً، مثلما حصل في البحرين، لكنها في الحقيقة لم تمس توابع إيران بضرر، وانتهى الأمر بالخروج من التحالف بعد مقاطعتها، وبعد أن ثبت أنها كانت جاسوساً على التحالف.
في الظروف الراهنة، مع احتمال العمل العسكري ضد إيران من قبل دول الخليج والولايات المتحدة، كيف سيمارس النظام القطري «التقية» السياسية؟ المشكلة هنا ليست مع دول الخليج، لأن العلاقة منقطعة أصلاً، لكن معضلة قطر ستكون مع الولايات المتحدة التي ستنطلق عملياتها العسكرية ضد إيران من الأرض القطرية، موقع أكبر قاعدة عسكرية أميركية. اللعب على محاور عدة أوصل الدوحة إلى طريق مسدود.

ورغم ما تعانيه، كالعادة، من ضغوطات، هذه المرة من إيران، فإنها ستحاول البقاء في المنطقة الرمادية، معللة موقفها بأن القاعدة العسكرية في العديد هي عقد مبرم ملزم مع واشنطن، وما ينطلق منها من عمل عسكري لا يمثل الموقف السياسي للنظام القطري. بمعنى آخر، فإن قطر أرض للإيجار، وللمستأجر حق التصرف، وليس للمؤجر الاعتراض. وهذه ليست سابقة، بل حصل في حرب غزة 2014 أن استعانت إسرائيل بسلاح قاعدة العديد ضد الفلسطينيين، وكان تبرير الدوحة نفسه؛ قصة أرض الإيجار.&
المعروف أن القواعد العسكرية الأميركية حول العالم تتخذ مكاناً في بلد يتماهى مع سياسة واشنطن، ولا يجد غضاضة في أي عمل عسكري ينطلق من القاعدة، لكن في إقليمنا المشحون بالتضاد من الصعب أن تجد منطقة رمادية.
الحسم واقع، بحرب عسكرية أو غيرها، ومن يستعجل الحسم ليس دول الخليج ولا الولايات المتحدة الأميركية، بل إيران نفسها التي لم تعد تطيق الضنك الاقتصادي بعد تصفير وارداتها من النفط؛ هذه حالة فريدة لم تحصل مع أي دولة في التاريخ الحديث.
دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى عقد قمتين، خليجية وعربية، طارئتين في مكة المكرمة بعد أيام، هي استجابة للأحداث التي دفعت بها إيران إلى الواجهة، من خلال استهدافها لناقلات نفط في الإمارات، وإمدادات الطاقة التي تربط شرق المملكة بغربها، ثم تبعتها باستهداف مكة المكرمة بصواريخ باليستية، في محاولة إيرانية لتخويف القادة من الحضور لصعوبة الوصول والإقامة بسبب الاستهداف الصاروخي.
القمم الثلاث المزمع عقدها، الإسلامية والعربية والخليجية، ينتظر أن تخرج بموقف موحد ضد الاعتداءات الإيرانية، لأن قرار الحرب أو السلم هو بالنهاية قرار سياسي، وليس عسكرياً، ومن المهم أن يكون للعرب والمسلمين موقف غالب، وإن لم يكن جامع، على رفض تهديد السلم والأمن في المنطقة.

إيران بطبيعة الحال لن تحضر إلى مكة، وحليفتها قطر إن حضرت أو لم تحضر لن يشكل ذلك فارقاً، ما لم تتجاوب مع شروط الرباعية العربية. أما تركيا، الضلع الثالث للمثلث، فهي تكرر إعلان وقوفها المطلق مع إيران، ولم تستنكر أي اعتداء إيراني حتى على مكة المكرمة.
الإدارة الأميركية عازمة على تغيير السلوك الإيراني، بالجزر أو العصا أو المسدس، وستستخدم الأراضي والأجواء القطرية إن اشتعلت الحرب، أو حتى كانت ضربات محدودة. وتركيا ليست في مأمن من الغضب الأميركي بسبب مواقفها من إيران وروسيا. أما الإيرانيون، فيعملون على رسم نقطة الاشتباك بعيداً عنهم؛ في العراق أو اليمن، من خلال استفزاز «الحشد الشعبي» أو الحوثي لواشنطن والرياض، وهذا ما يخيف العراقيين تحديداً، بعد أن شعروا أخيراً بالاستقرار، وعودة العلاقات العربية. إيران تدفع بأتباعها إلى الواجهة، في اليمن والعراق، لتبقى هي في الظل.
ستظل الحروب مستعرة في العراق واليمن ولبنان وسوريا، والتهديد الأمني قائم في الخليج، ما دام مصدر الشر؛ إيران وحلفاؤها، آمنين.