& فهد سليمان الشقيران

&روى رئيس المجلس العسكري لـ«تنظيم القاعدة في السعودية» علي الفقعسي القليل من المعلومات التي يمتلكها عن قصة تأسيس التنظيم في حوارٍ تلفزيوني مهم، وددتُ لو أن إدارة الحوار كانت أكثر مهنية، وأن الإعداد للحلقة أجود، بغية الإفادة من لقاءٍ استثنائي مع أحد المؤسسين الأوائل لأخطر التنظيمات التي دخلت معه الدولة حرباً ضروساً راح ضحيتها عشرات الشهداء من رجال الأمن والأبرياء من الأطفال والرجال والنساء. تمنيتُ أن يسرد الفقعسي الكثير من المعلومات التي تهم أي باحثٍ في الحركات المسلحة. وبعيداً عن الأسئلة المستهلكة، وفي كل الأحوال كشف الفقعسي جزءاً من قصة تأسيس التنظيم.

الفقعسي لم يكن فقط المطلوب الأبرز على قائمة التسعة عشر التي أعلنتها الداخلية، وإنما صاحب القصّة الأكثر تعبيراً عن العلاقة بين «الصحوة» و«القاعدة».
حين قدمت الدولة فرصة للمطلوبين بإسقاط الحق العام مقابل تسليم النفس، أطلق رموز «الصحوة» عبر قناة «الجزيرة» ما عرف بالوساطة، الهدف منها استخدام المطلوبين في التنظيم من أجل إعادة بعث «خطاب المطالب» أو أجزاء من مضامينه. أعلن أحدهم عن استعداد الفقعسي للاستسلام مقابل شروط سياسية. الشروط نتاج اجتماعات مكثفة ضمن عشرات الدعاة الصحويين، وهي تتعلق بما يسمونه «الإصلاح السياسي» و«احتواء الشباب» وعدم استفزازهم عبر «التطرف المضاد» مما يعني: «مراعاة مشاعر شباب تنظيم (القاعدة) مما يبث في الصحف والقنوات من مشاهد خليعة، أو مقالات نقدية، أو انتقادات للتيار الأصولي».

استسلم الفقعسي وسلم نفسه للداخلية، ولم تكن الدولة بوارد قبول وساطات أو شروط، وإنما بسطت يدها على الملف، وبدأت بالفعل واحدة من المعارك التاريخية في السعودية. بالطبع فشلت مهمة رموز «الصحوة» بامتطاء «القاعدة» مقابل الهيمنة على القرار السياسي. كانت الحيلة محل ترويج قطري عبر أذرعها الإعلامية. لم يسهب الفقعسي بالإجابة عن تلك المرحلة الخطيرة من التلاقي بين مصالح «الصحوة» و«القاعدة».

ثم عرج الفقعسي على الموضوع الأهم وهو التمويل، المادي منه الذي يشرف عليه هو مع يوسف العييري. عشرات الملايين تتدفق إلى خزائن التنظيم، لم تكن الأمور قد قننت بعدُ، عبّدت قطر الطريق بين الممولين والتنظيم؛ عدد من الباكستانيين يحضرون إلى جدة ثم إلى مكة لأداء العمرة يتسلمون الأموال، وذلك تحت إشراف قطري مباشر. لم تكن قطر معبراً للمال فحسب، وإنما يضيف أن المطلوب تركي الدندني له دور في إدخال السلاح للسعودية عبر قطر والعراق، وهذه معلومات مهمة تثبت ما هو مثبت من علاقة قطر بانتعاش «تنظيم القاعدة في السعودية»، ودعمه، وصقله، وتقويته ضد الدولة.
لم يقل الفقعسي إن سبب الانضمام للتنظيم كان الفقر، أو الاضطراب النفسي، أو الخلل العقلي، وسواها من الحجج الواهية التي أدمن البعض طرحها منذ أوائل العمليات العسكرية في السعودية، بل طرح لب الموضوع، إنه الخطاب الديني، والتعبئة الصحوية، والتأصيل الإخواني. هذه هي الأسس التي يقوم عليها تجنيد أي عضو في أي تنظيمٍ كان، الأشرطة والكاسيتات، والأناشيد الجهادية، والخطب الحماسية، والنشرات الدورية، والصور الدموية التي تلهب حماسة الشباب من أجل الانطلاق إلى مناطق الصراع.
يوضح الحوار أن دولاً سهلت لهم المرور في أسفارهم المتعددة ذهاباً وإياباً، وهي: تركيا، وإيران، وقطر، بالإضافة للاستفادة منها في التمويل والعبور واللجوء، ولم يعد سراً أن قادة تنظيم «القاعدة» دخلوا السعودية بتسهيلات وتأشيرات وجوازات قطرية، وذلك عن علم وإصرار من قبل النظام. وأضافت شهادة الفقعسي أن القطريين لديهم هدف أساسي وهو الإضرار بالسعودية، ويعضد هذا القول رسائل أسامة بن لادن التي أفرجت عنها الاستخبارات الأميركية وفيها يتحدث بامتنان عن قطر، ويعتبرها دولة ملائمة لمن أراد الذهاب إليها من العائلة والأنصار.
خلاصة الموضوع أن التنظيم أيقظ الأطماع، وأشعل قلوب الحساد، وأيقظ رغبات الانتقام من السعودية. أراد «الصحوة» استخدامها لإعادة العمل السياسي بوجه الدولة، واستخدمت ملف الفقعسي تحديداً وبقية المطلوبين عموماً لإثبات عدم استغناء الدولة عن مبادرات شيوخ الصحوة، باعتبارهم قادرين على ضبط الأمن في البلاد بلجم السباع وتقليم أظافرها مقابل «تنازلات سياسية» تقوم بها الدولة، ولكن كان للقادة آنذاك حكمتهم ودهاؤهم، إن أرادوها الحرب فلتكن.

استطاع رجال الأمن دك حصونهم وتصفية قادتهم الواحد تلو الآخر، لقد هُزم التنظيم، وقدر هذه الأرض أنها تستطيع إدارة معاركها مهما تعددت وتشعبت، وعلى حد قول المتنبي:

أفي كلّ يوْمٍ تحتَ ضِبْني شُوَيْعِرٌ
ضَعيفٌ يُقاويني قَصِيرٌ يُطاوِلُ
لِساني بنُطْقي صامِتٌ عنهُ عادِلٌ
وَقَلبي بصَمتي ضاحِكٌ منهُ هازِلُ
وَأتْعَبُ مَنْ ناداكَ مَنْ لا تُجيبُهُ
وَأغيَظُ مَنْ عاداكَ مَن لا تُشاكلُ