هشام محمود&&

يوما بعد آخر تتنامى التحديات التي تواجه منطقة العملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، وتتزايد الضغوط الاقتصادية التي تواجهها، بحيث بات الحديث عن أزمة اقتصادية محتملة يمكن أن تضرب بلدان تلك المنطقة، حديث يحتل رقعة مهمة من اهتمام الخبراء والاقتصاديين ووسائل الإعلام.
فما كان تلميحا من قبل المسؤولين في بلدان اليورو بأن اقتصاداتهم تواجه أوقاتا غير مريحة، بات الآن تصريحا بأن النمو يتراجع، والبيانات الاقتصادية أضعف من المتوقع، وهذا الوضع ترافق مع تصاعد في ديون المنطقة، التي تبلغ نحو تريليوني جنيه استرليني.
الأخطر من هذا وذاك، هو قناعة قادة الدول المنضوية تحت راية اليورو، بأن العودة إلى طريق النمو ستستغرق وقتا طويلا، خاصة أن التحديات التي يواجهونها وليدة توليفة من العوامل لا تستطيع منطقة اليورو توجيهها أو التحكم فيها جميعا.&
ويشرح ذلك لـ"الاقتصادية"، الدكتور كريس ديفيد الخبير في اقتصادات منطقة اليورو وأستاذ الاقتصاد الأوروبي في جامعة لندن قائلا، إن "هناك مزيجا من العوامل التي أضعفت القوى الاقتصادية لمنطقة اليورو، فالتراجع في الاقتصاد الصيني على سبيل المثال أدى إلى تقلص صادرات المنطقة، وخاصة ألمانيا إلى الأسواق الصينية، كما أن الحوافز الاقتصادية التي أحدثتها التخفيضات الضريبية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للشركات الأمريكية الكبرى، أسهمت بدرجة أو بأخرى في إنعاش العملية الإنتاجية في منطقة اليورو لبعض الوقت، عبر زيادة الصادرات إلى الولايات المتحدة، وتلك الحوافز تتقلص الآن، وقد ترافقت تلك العوامل مع مجموعة أخرى من العوامل السلبية الداخلية، ومنها الأوضاع الصعبة التي تعانيها صناعة السيارات الألمانية بسبب فضيحة الانبعاثات الغازية لسيارات الديزل، وافتقار رؤية واضحة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وربما لن يكون لذلك تأثير مباشر في منطقة اليورو، حيث إن بريطانيا لا تنتمي لتلك المجموعة، لكن من خلال الترابط الاقتصادي بين بلدان اليورو والاتحاد الأوروبي، فإن سلاسل التوريد العابرة للحدود ستتأثر، لكن بعض دول اليورو ستكون عرضة للتأثير أكثر من غيرها بالخروج البريطاني من النادي الأوروبي".

ومع هذا، يشير جزء كبير من الاقتصاديين إلى أن المنطقة لا تزال بعيدة عن الوقوع في براثن الركود الاقتصادي، لكن المخاوف تتصاعد بشأن هشاشة النظام المصرفي في بعض بلدانها، إضافة إلى تنامي الديون لمجمل اقتصاد اليورو، وهو ما يضع تساؤلات حول قدرة النظام المالي فيها على مواجهة التحديات التي تشهدها.&
من جهته، يصف ولكر فريد الاستشاري المصرفي للجنة السياسات المالية في بنك إنجلترا، الوضع الراهن في مجموعة اليورو بالمركب والمربك في آن واحد.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "المصرف المركزي الأوروبي أنهى مسيرته مع التيسير الكمي وعاد إلى السياسة المالية العادية، لكن ما زال لديه ما قيمته ثلاثة تريليونات دولار من الأوراق المالية التي اشتراها بموجب هذا البرنامج، وهو يواصل احتفاظه بتلك الأوراق في وقت تعد فيه أسعار الفائدة منخفضة للغاية، أضف إلى ذلك أنه من المتوقع أن تظل أسعار الفائدة في منطقة اليورو منخفضة طوال فصل الصيف لهذا العام، لأن التضخم لم يصل بعد إلى المستوى المستهدف وهو 2 في المائة".&
ويشير ولكر فريد إلى أن هذا الوضع ترافق مع تصاعد في ديون المنطقة، التي تبلغ نحو تريليوني جنيه استرليني، وأحدث ذلك مخاوف بشأن الضغوط التي تفرضها تلك الديون على النظام المالي، خاصة أنها تأتي في وقت تشهد فيه مجموعة من النظم المصرفية الرئيسة، التي تمثل أحجار الزاوية في بلدان اليورو أوضاعا تتصف بالهشاشة الشديدة.&
في هذا السياق، يعد النظام المصرفي الإيطالي في وضع غير آمن بشكل كبير، خاصة مع طلب سبعة من كبار المقرضين الإيطاليين عملية إنقاذ في السنوات الثلاث الماضية، واحتلال إيطاليا المرتبة الأولى بين مديونيات منطقة اليورو، ويعزز هذا الوضع، نتيجة تداخل النظم المصرفية في منطقة اليورو، من المخاوف المشروعة والسائدة بإمكانية انتقال العدوى من النظام المصرفي الإيطالي إلى أنظمة مصرفية أخرى، وتحديدا مع قيام الحكومة الائتلافية بتعديل ميزانيتها لعام 2019، بعد أن أثارت المفوضية الأوروبية مخاوف بشأن تأثير ذلك في مستويات الديون في البلاد، وأن يؤدي الركود الاقتصادي إلى تفاقم المشكلات التي تواجهها الحكومة بسبب مواردها المالية.&
ويشير مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي "يوروستات"، إلى أن إجمالي الدين في منطقة اليورو التي تضم 19 دولة انخفض إلى 85.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي مقارنة بـ87.1 في المائة في 2017.
ويترافق القلق بشأن الهيكل المصرفي الإيطالي مع معدلات نمو ضعيفة في الدول الـ19 الأعضاء في منطقة اليورو، وذلك على الرغم من ارتفاع معدل النمو من 0.2 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي إلى 0.4 في المائة خلال الربع الأول من هذا العام، إلا أن هذا التحسن لا ينفي أن هناك قلقا خاصا بشأن الوضع الاقتصادي في ألمانيا.&
وتوضح لـ "الاقتصادية"، دورسي كريس الخبيرة الاستثمارية، أن "الاقتصاد الأساسي للاتحاد الأوروبي عامة ومنطقة اليورو خاصة، هو الاقتصاد الألماني، والحكومة الألمانية تتوقع الآن توسعا اقتصاديا بنسبة 0.5 في المائة هذا العام، منخفضا من توقعات بلغت 1.8 في المائة قبل عدة أشهر، وهذا الهبوط يعود إلى الانخفاض الشديد الذي يواجه القطاع الصناعي، فالبلاد تصارع الركود وارتفاع الدين الحكومي، والتصنيع الذي يمثل نحو خمس الدخل السنوي لألمانيا يعاني التباطؤ، وهناك تحديات على المدى الطويل أبرزها كيفية البقاء في المقدمة في مواجهة المنافسة العالمية الشديدة".
ومع هذا، لا يزال بعض الخبراء محافظين على تفاؤلهم بشأن المستقبل، مع إقرارهم بالصعوبات التي تواجهها منطقة اليورو حاليا، ويعتقد الدكتور آندرو مارت أستاذ المالية العامة في جامعة بروملي، أن منطقة اليورو تواجه مشكلات في الأمد القصير، إلا أن الوضع سيختلف على المدى المتوسط، وسيكون أكثر بريقا في رأيه على الأمد الطويل.

ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "الاتحاد الأوروبي عامة ومنطقة اليورو خاصة تقع تحت ضغط شديد في الوقت الراهن، وربما التأثير الأكثر سلبية لتلك التطورات يتمثل في أن حالة عدم اليقين الحالي تضع بصمات سلبية على المناخ الاستثماري، سواء عبر تأخير قرارات الاستثمار أو تحول رؤوس الأموال إلى مناطق أكثر ربحية خارج بلدان اليورو، إلا أن أوروبا وبلدان العملة الأوروبية الموحدة تحديدا، تمتلك عديدا من الفرص المستقبلية الإيجابية، فجهود الإصلاح الاقتصادي وخاصة في شقه المالي تسير بخطى ثابتة، كما أن المقومات الاقتصادية لسكان تلك المنطقة سواء من مستوى تعليمي مرتفع أو قدرات إبداعية وتكنولوجية في كافة الأنشطة الاقتصادية، تضمن للمنطقة ازدهارا اقتصاديا على الأمد الطويل".

&