عبد العليم محمد

رغم إنهاء العبودية فى الولايات المتحدة الأمريكية، بنهاية الحرب الأهلية عام 1865، أى منذ ما يقرب من مائة وأربعة وخمسين عاما، فإن آثار العبودية لا تزال باقية فى مختلف جوانب الحياة المتعلقة بالأمريكيين من أصول إفريقية؛ إن فى التعليم أو الصحة أو المسكن، أو الملكية والثروة. يذهب بعض الكتاب إلى أن متوسط الثروة لأسرة أمريكية من أصول إفريقية بلغ فى عام 2016، 17 ألف دولار مقارنة بـ 171 ألف دولار لأسرة أمريكية بيضاء، وتتقارب هذه الأرقام مع الثروة المتوسطة المقدرة لهذه الأسر فى عام 1960، وهو ما يعنى أن الفجوة لا تزال كبيرة وقائمة وأن التشريعات والسياسات المطبقة حتى الآن لم تتمكن من تقريب هذه الفوارق. فى انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة فى عام 2020، يبدو أن النقاش حول آثار العبودية والتمييز ضد الأمريكيين من أصول إفريقية، يتطور فى اتجاه أن يكون موضوعا رئيسيا فى الحملات الانتخابية للمرشحين المحتملين عن الحزب الديمقراطى فى هذه الانتخابات، وهو الحزب الذى تجنب أى مناقشة جدية حول هذا الموضوع إذا ما استثنينا جيسى جاكسون عام 1984، وحتى باراك أوباما الرئيس الأمريكى السابق 2008-2016، تجنب إثارة هذا الموضوع وكان يرى أنه لا يمثل جزءاً من الفضاء العقلى لسياسى مثله. ولا يعنى ذلك أن النقاش حول آثار العبودية ومعالجتها فى المجتمع الأمريكى قد بدأ مع الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية المقبلة فى عام 2020، حيث إن الموضوع مثار منذ فترة طويلة، ولا شك أن صعود دونالد ترامب وحديثه عن التفوق الأبيض قد عزز من هذه القناعات، وحث العديد من السياسيين على تبنيها والانخراط فى الدفاع عنها, بهدف إصلاح هذا الخلل وإنهاء معاناة ملايين من الأمريكيين من أصول إفريقية، ويرون أن الطريق لحل هذه المشكلة هو مواجهتها على الصعيد الوطنى.

&تندرج الحلول المطروحة من قبل العديد من المرشحين المحتملين من ضرورة الاعتراف الرسمى بالظلم الاجتماعى، الذى لحق بملايين الأمريكيين من أصول إفريقية، حيث إن الجهات الرسمية لم تقدم حتى الآن اعتذارا أو أقامت نصبا تذكاريا للعبودية فى العاصمة واشنطن، ومروراً بالتعويضات للمنحدرين من الأمريكيين من أصول إفريقية تدفع لهؤلاء الضحايا مباشرة، والذين بلغ عددهم ما يقرب من 35 مليونا من الأمريكيين، وتذهب بعض التقديرات المالية لهذه التعويضات إلى 10 آلاف مليار دولار، كما تتطرق هذه الحلول للأسلوب والكيفية التى يمكن من خلالها التوصل إلى اتفاق بين مختلف الأطراف، ينهى هذه المعاناة، مثل تشكيل لجنة وطنية تقوم بفحص ملف العبودية ليس فحسب منذ بدء وصول الأفارقة إلى ولاية فيرجينيا عام 1619 حتى إلغاء العبودية عام 1865، بل تمتد لما بعد هذه الفترة، وما وقع بعدها من ظلم وتمييز، استمر حتى ما بعد نضال حركة الحقوق المدنية خلال عقد الستينيات، أما بخصوص الكيفية التى يمكن للضحايا من هؤلاء الأمريكيين أن يثبتوا من خلالها أنهم منحدرون من أصول إفريقية، وأنهم عانوا آثار العبودية، فعليهم أن يثبتوا أنهم عوملوا كسود خلال السنوات العشر التى تسبق إقرار برنامج التعويضات.

من بين هؤلاء المرشحين المحتملين تبرز كامالا هاريس أمريكية من أصول هندية وكورى بوكر من أصول إفريقية ويؤيد كلاهما تشكيل لجنة وطنية تقوم بدراسة وفحص هذا الملف وتقديم الحلول، أما إليزابيث وارين فلا تتحدث عن التعويضات وإنما ترى أن معالجة هذه المشكلة تتلخص فى مواجهتها، وأن هذه المهمة هى مهمة الولايات المتحدة الأمريكية، وتقترح تقديم تسهيلات للأمريكيين من أصول إفريقية فى السكن ضمن إجراءات أخرى، فى حين يقترح بوكر تخصيص مبلغ محدد من المال للأطفال من أبناء الأمريكيين الأفارقة منذ الولادة وترك هذا المبلغ حتى سن الرشد، أما بيرنى ساندرز المرشح الاشتراكى الديمقراطى المحتمل فهو يرفض أى تعويض يخصص للأمريكيين الأفارقة، ويفضل إجراء إصلاحات واسعة تستهدف تخفيض معدلات عدم المساواة بين الفقراء والأغنياء سواء كانوا من السود أو البيض.من الواضح من خلال بعض المقترحات السابقة أنها أولا متفاوتة ومتباينة إزاء هذه المسألة، وتتراوح بين القبول بالتعويض ورفضه، وتتميز عموم هذه المقترحات بالحذر والتروى وعدم الاندفاع، ووقفت جميعها عند الحدود الدنيا أى إثارة هذا الموضوع على الصعيد الوطنى، وتقديم المبادرة بشأن الصيغ المختلفة لمعالجة هذه المعضلة والأخذ فى الاعتبار حساسية الموضوع وآثاره. ويقف خلف هذا الحذر والتروى، موقف الرأى العام الأمريكى تجاه هذه القضية، حيث إن نسبة من يؤيدون التعويض المالى من الأمريكيين لا تتجاوز 26%، كما أن الأوساط المحافظة من الأمريكيين يرون فى اتخاذ إجراءات سياسية على أساس عرقى أو يتعلق بالعرق، كتعبير عن حركة مناهضة للبيض، وأن مبدأ التعويض فى حد ذاته يعنى الاعتراف بالخطأ الجماعى والمسئولية الجماعية، من ناحية أخرى فإن الحذر فى إثارة هذه القضية يعود فى جزء منه إلى أن الأمر قد يكلف صاحبه الكثير، ففى مقابل كسب أصوات من قبل الأمريكيين الأفارقة قد يخسر الكثير من أصوات الأمريكيين البيض.

ثمة من السوابق ما يعزز هذه المطالب، فبعد الحرب العالمية الثانية تم تعويض اليهود ضحايا النازية، كما تم تعويض 60 ألف مواطن أمريكى من أصل يابانى عام 1988 بمبلغ 20 ألف دولار لكل مواطن، وهم المنحدرون من أصول يابانية، كان آباؤهم وأجدادهم قد احتجزوا فى معسكرات بعد هجوم اليابانيين على بيرل هاربر، وكذلك تم تعويض بعض القبائل عن مصادرة ممتلكاتها، قد تعزز هذه السوابق الأمل لدى الجمعيات والمنظمات والسياسيين الذين يطالبون بمعالجة آثار هذه الحقبة وتجاوز الجروح والانقسامات التى خلفتها، علما بأن حظوظ هؤلاء المرشحين أو الذين أعلنوا ترشيحهم فى الفوز بترشيح الحزب الديمقراطى للرئاسة الأمريكية المقبلة، ضئيلة إذا ما استثنينا السيناتور بيرنى ساندرز والسيناتور إليزابيث وارين الذين يعتبران خصمين قويين للرئيس الأمريكى الحالى.