& حسن مدن

مضى أكثر من قرن ونصف القرن على تبني الكونجرس الأمريكي تعديلاً دستورياً يُجرّم العبودية وتجارة الرق. وتشير صفحات التاريخ إلى أن القادة الأمريكيين المناهضين للعبودية مثل إبراهام لينكولن لم يسعوا قبل الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، إلى إلغاء الرق، بل حاولوا منع انتقاله من الجنوب، حيث كان متفشياً، إلى ولايات في الغرب الأمريكي، وكان الساسة وملاّك العبيد الجنوبيون يقاومون بشدة هذا التوجه، حفاظاً على مصالحهم الطبقية وثرواتهم الناجمة عن استغلال الأرقاء.

وبعد فترة قصيرة من تنصيب لينكولن في 1861 اندلعت الحرب الأهلية، وعلى إثر ذلك استجاب لينكولن إلى دعوات مناهضي الرق لتحرير جميع العبيد الأمريكيين، حيث أدركت الحكومة المزايا الاستراتيجية لتحرير الرق، وهو ما قام به لينكولن بالفعل في الأول من يناير/ كانون الثاني 1863، حين أعلن أن العبيد الذين قُدّر عددهم بثلاثة ملايين أصبحوا أحراراً «الآن ومستقبلاً وإلى الأبد».

مناسبة العودة إلى هذا الحديث خبر عن اكتشاف حطام آخر سفينة قامت بتهريب العبيد من إفريقيا إلى الولايات المتحدة، بعد تحقيقات طويلة، حيث عثر على ركام السفينة التي استخدمت لتهريب رجال ونساء وأطفال من إفريقيا إلى الولايات المتحدة، في قاع نهر «موبايل» في ألاباما.

واللافت في الأمر المعلومة التي تؤكد أن القائمين على السفينة استمروا في تهريب العبيد بعد عقود من حظر الكونجرس لذلك، وتم إغراق السفينة بشكل متعمد للتخلص من الأدلة على استخدامها للأغراض المذكورة. ويرى باحثون مهتمون بكشف صفحات في التاريخ الأمريكي أن اكتشاف السفينة حدث تاريخي مهم، لأن الأمر يتصل بواحدة من الفترات الأكثر ظلامية في التاريخ المعاصر وتزود المهتمين بأدلة على العبودية.

الاستمرار في ممارسة تجارة الرق وجلب البشر من إفريقيا استجابة لرغبات ملاك المزارع في الولايات الجنوبية في أمريكا، دليل على أن المسافة بين إقرار التشريعات والتطبيق الكامل والشامل لها تظل شاسعة دائماً، وأن التشريع وحده، على أهميته التاريخية، ليس كافياً إن لم يقترن بأدوات رقابة فعّالة على تنفيذه، لا في الظاهرة التي نحن بصددها فحسب، وإنما في الظواهر كافة.

وحتى اللحظة فإن العالم لم يتحرر كلية من عار الرق، ولا يقتصر الأمر عليه وحده، فهناك أشكال عصرية للعبودية بينها العمل القسري، وحسب إحصائية حديثة فإن هناك حوالي 24.9 مليون شخص يعملون بالإكراه، بينما أجبر 15.4 مليون شخص على زيجات لم يقبلوا بها، ما يؤكد أن «سفينة الرق الأخيرة» لم تكن أخيرة.

&