&عبدالغفار شكر

&بينما الشعب المصرى يتهيأ للاحتفال بعيد الفطر المبارك فوجئ بنبأ استشهاد ضابط وعدد من الجنود فى هجوم إرهابى على كمين قريب من مدينة العريش, وليس من شك فى أننا مطالبون بإعادة النظر فى تناولنا لظاهرة الإرهاب وأسبابها العميقة والاساس الذى تنطلق منه لكى نتمكن من صياغة استراتيجية فعالة يتمكن من خلالها الشعب المصرى ومؤسساته المختلفة من مواجهة الظاهرة التى تسلبنا أعز ما نملك وهم الشباب وتسهم بشكل او بآخر فى إضعاف معنويات المواطنين.

&ومن المهم هنا ان نحدد بشكل دقيق كيف يتم تهيئة بعض الشباب للاقبال على الانخراط فى المنظمات الإرهابية وما هى الاسباب التى تدفعهم الى ذلك. ولا يخفى علينا ان تكوين الإرهابى يبدأ بتوجيهه الى اللجوء للعنف كمقدمة لحمل السلاح والإجهاز على بعض مواطنيه مقتنعا بان هذا العمل مشروع من وجهة نظره. اى أن العنف هو المقدمة الطبيعية لممارسة الإرهاب ومعنى ذلك ان نجاحنا فى القضاء على الإرهاب يتطلب اولا ان نحمى المجتمع من ظاهرة العنف بمختلف اشكاله. وتعرف منظمة الصحة العالمية العنف بانه (الاستخدام القصدى او العمدى للقوة او السلطة او التهديد بذلك، ضد الذات او ضد شخص آخر او عدد من الاشخاص او المجتمع باكمله، وقد يترتب على ذلك أذى او موت او اصابة نفسية او اضطراب فى النمو او حرمان) وتؤكد الوقائع زيادة العنف فى المجتمع المصرى، حيث شهدت البلاد فى السنوات القليلة الماضية زيادة كبير فى استخدام العنف فى المجتمع.

وإذا تناولنا اسباب تزايد العنف فى المجتمع فإن ذلك يعود الى اسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية فالظروف الاقتصادية تمثل محركا رئيسيا فى زيادة العنف وغياب القيم الانسانية حيث تضغط الاعباء المالية على المجتمع فتضيع معه القيم الانسانية ويصبح الانسان مهيأ لتقبل العنف كسلوك لتحقيق ذاته ويدخل فى هذه الاسباب الاقتصادية والاجتماعية ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب مما يؤدى الى شعورهم بالإحباط واليأس وعدم الانتماء الى وطنهم مما يجعلهم فريسة سهلة للانضمام للجماعات المتطرفة ويصل بهم الامر الى تكفير المجتمع. كما ان انخفاض مستوى الدخل وارتفاع نسبة التضخم أدى الى ازدياد عدد الفقراء الذين لا يستطيعون سد احتياجاتهم مما يؤدى الى انتشار العنف بينهم بشكل ملحوظ. وهناك ايضا من اسباب العنف تدهور التعليم وغياب الوعى الامر الذى يسهل معه تضليل الشباب والتوجه بهم نحو سلوكيات ضد المجتمع، يضاف الى هذا مضمون الخطاب الدينى السائد الذى ينتهى بالشباب الى تكفير المجتمع والعمل ضده وقد لعبت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعى دورا فى نشر هذه الافكار الخاطئة والتأثير على مستخدمى هذه الوسائل بشكل كبير.

وقد اهتم المجلس القومى لحقوق الإنسان بهذه الظاهرة وضرورة مواجهتها فعقد مؤتمرا دوليا فى يوليو 2017 حول دور ومسئوليات مؤسسات التوعية فى مواجهة العنف بحيث يمكن حماية الشباب من الوقوع فى براثنه، وصدر عن هذا المؤتمر اعلان القاهرة الذى تضمن ملامح استراتيجية تركز على الجانب المتعلق بدور مؤسسات التوعية فى ذلك ويتضمن هذا الاعلان دور مؤسسات التعليم فى بث ونشر قيم التعايش مع الآخر فى إطار المفهوم الشامل لحقوق الانسان وتجنب انتاج اشخاص متطرفين وغير مؤمنين بالتعددية او قبول الآخر وركز على ضرورة التعليم الجيد بحيث يكون متاحا للجميع دون تمييز فى اطار نظام مؤسسى كفء وعادل ومستدام ومرن يهدف الى المساهمة فى بناء شخصية متكاملة وإطلاق امكاناتها لاقصى مدى لمواطن يعتز بذاته ويكون مستنيرا ومبدعا ومسئولا وقابلا للتعددية واحترام الاختلاف وفخورا بتاريخ بلاده. وهذا التعليم الجيد يتطلب دورا للمعلمين بحيث يتم إعدادهم للقيام بهذا الدور ويتطلب ايضا تغيير البيئة التعليمية فى مناخ صحى واخلاقى واعادة النظر فى طبيعة الرسائل التى توجه للاطفال عبر الالعاب المتاحة والأفلام السينمائية التى تتعلق بالعنف كما انه من المهم ان يكون هناك تكامل بين المدارس وجهات التنشئة الاخرى مثل مراكز الشباب والمساجد والكنائس. وهنا تبرز اهمية مضمون الخطاب الدينى وترشيده للبعد عن التطرف والحض على الاستنارة وقبول الآخر.

وهناك ايضا دور مؤسسات الإعلام فى مواجهة العنف لما لها من دور فعال فى بناء الوعى وتأتى أهمية الاعلام من قدرته على التأثير فى تكوين الوعى وايضا لما يقوم به من دور رقابى وقدرته على توفير المعلومات وإثارة القضايا ولا نغفل هنا التطور الكبير فى وسائل التواصل الاجتماعى التى اكتسبت قدرة هائلة على التأثير وضرورة التفاعل معها بما يساعد على استخدامها فى ابتعاد الشباب عن العنف.

كما يجب الاهتمام بدور الدراما التليفزيونية فى مواجهة العنف وجذب المشاهدين من خلال هذه الدراما نحو قيم تحض على التسامح والاعتراف بالآخر والاعتزاز بالوطن وتمكين المرأة وتجنب ممارسة العنف ضدها وهناك مجالات واسعة للقيام بدور مؤثر فى هذا المجال.

هذه ملامح عامة لاستراتيجية الحد من العنف فى المجتمع تتطلب التعمق فى دراستها كأساس ضرورى لحماية المجتمع من نشاط المنظمات الإرهابية.