&فارس بن حزام&&

الحملات الإعلامية ضد السعودية هي الأقدم والأكثر استمرارية في العالم العربي، ولم تتوقف طوال ستة عقود، وبعضها يهدف إلى إسقاط النظام الملكي، وبعضها الآخر لتغيير سياساته الداخلية والخارجية.


جميع الحملات الإعلامية انتهت إلى فشل قادتها، وعززت من رسوخ الحكم في السعودية، ويشهد لحكامها عدم تنازلهم أمامها، ولا اتخاذ خطوة تأثراً بها. لقد تطور الحكم والمجتمع على مر العقود نتيجة عوامل أخرى، بعيداً عن الحملات؛ منها نمو الاقتصاد، والاعتناء بالتعليم العالي، والانفتاح على الثقافات الأخرى.

عربياً، ومع حملات هدفت إلى إطاحة الحكم، كانت مرحلة الرئيس جمال عبدالناصر الأقسى ضد السعودية، إذ أتت شاملة؛ سياسياً وعسكرياً وأمنياً وإعلامياً، وكان الرئيس الراحل صريحاً برغبته في إسقاط النظام الملكي، وسعت ماكينته الإعلامية إلى سحق البلاد، بنظامها ومجتمعها، ووجد الخطاب من يتأثر به، وما أن هزم مرتين، أمام العدو الإسرائيلي وفقد أرضه، وأمام المملكة على حدودها اليمنية، حتى تراجع تماماً، وأنهى حملته.

انتهت مرحلة عبدالناصر، وبدأت مرحلة البعث في العراق والقذافي في ليبيا، وتناوب الطرفان على استهداف السعودية، ولكن لم تكن بما تمتعت به حملة مصر من قوة وجودة ونفاذ. مولت الدولتان صحفاً ومواقع في لبنان وغيرها، وشنت حملات شرسة، وكانت رخيصة إلى حد السخرية منها. وذلك الفرق البارز بين حملات مصر وبين حملات العراق وليبيا، فالأولى تمت عبر مصريين بالدرجة الأولى، مضوا مع نهج دولتهم، وفي الثانية عبر صحافة ممولة، تنشر مع من يدفع مصاريفها، وهذا ما اصطلح عليه لاحقاً اسم "المرتزقة"، ونجدهم في ظهرانينا اليوم، إذ لا يعبرون عن قناعاتهم، ولا يدافعون عن معتقداتهم ولا أوطانهم، وكما يردد صديق وزميل مصري، عرفته طريفاً: "لقمة العيش صعبة".

تراجعت مرحلة العراق وليبيا، وتغيرت هوية الصحافة في لبنان قليلاً إلى مسارات أخرى، وجاءت قطر بحملات متنوعة، مباشرة وغير مباشرة، وعبر أدوات صريحة وأخرى خفية، ومولت وسائل إعلام، وأنشأت شبكات خارج أرضها، والفارق عن تجارب غيرها في العقود السابقة، أن نقلت الحملات إلى مصاف العالمية، وبأساليب طبقتها عربياً؛ تمويل مباشر، واستثمارات جانبية مع ملاكها، وفِي حادثة الصحافي جمال خاشقجي، ذهبت إلى أقصى ما لديها، ووضعت كل ثقلها، وجندت طاقتها وطاقة حلفائها، لتحقيق نتيجة واحدة "إسقاط ولي العهد السعودي". لقد كانت مقامرة كازينو أكثر من كونها حملة إعلامية وسياسية، وانتهت نتيجتها إلى لا شيء، سوى أن بقيت قطر يتيمة في "حملة خاشقجي"، لا يتفاعل معها أحد في واشنطن، ولا حتى في إسطنبول!

تلك نماذج من سيرة الحملات ضد السعودية، ونتيجتها الموسومة بالفشل.