& صالح القلاب

&

أكثر من مرة رددت روسيا على لسان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف أنه لم تعد هناك ضرورة لوجود إيران في سوريا وبالطبع فإن المقصود هنا هو الوجود العسكري الذي يقدر بأكثر من مائة وعشرين ألفاً من القوات النظامية ومن حراس الثورة وهذا بالإضافة إلى الميليشيات الطائفية والمذهبية التي تقدر أعداد منتسبيها بعشرات الألوف ومن بينها قوات «الفاطميون» التي معظم المنضوين في إطارها من الأقلية الشيعية الأفغانية «الهزارا» التي تقطن في بعض مناطق وسط أفغانستان بين هندوكوش وجبل بابا في الشمال وواد هلمند في الشرق والجنوب.
والمفترض أنه بات معروفاً، بعد كل هذه الفترة الطويلة، أن الشيعة الأفغان الذين تم استيرادهم من إيران وتركيزهم في سوريا، التي كانوا قد لجأوا إليها بعد اشتداد ضغط الأكثرية «البشتونية» عليهم بعد تقلبات ما بعد خروج الجيش السوفياتي من أفغانستان وبعد انهيار النظام الشيوعي، أنهم الأكثر تطرفاً من بين كل التنظيمات المذهبية التي باتت تشكل قوة فاعلة في هذا البلد العربي.

والمهم أن المطالبة «الناعمة» بخروج إيران من سوريا»... لأنه لم يعد لوجودها أي ضرورة، قد بدأت تأخذ أشكالاً أكثر جدية؛ فهناك معلومات مؤكدة أنَّ الروس والإيرانيين، و«بمرافقة» إسرائيلية عن كثب، قد عقدوا سلسلة لقاءات أحدها في إسرائيل قبل فترة قصيرة ناقشوا خلالها التوصل إلى خطة تنفيذية لوضع نهاية للوجود العسكري و«الميليشياوي» الإيراني في هذا البلد العربي الذي من الواضح، لا بل المؤكد، أنه بات يشكل عبئاً ثقيلاً على هؤلاء اللاعبين الثلاثة في «القطر العربي السوري» حسب المصطلحات «البعثية» وحسب حزب البعث العربي الاشتراكي الذي لم يعد له أي وجود لا عملياًّ ولا شكلياًّ والذي لم يبق منه إلاّ ما يشبه «بقايا وشْم في ظاهر اليد».
وحسب التقديرات، أو المعلومات، لا فرق، أنه في حين أنَّ الهيمنة الروسية في سوريا تتركز أساساً في القوات المسلحة وفي الاستخبارات العسكرية فإن الهيمنة الإيرانية تتركز في الدوائر الرسمية المحيطة بالرئيس بشار الأسد وفي أجهزة المخابرات إلى حدٍّ ما، وأيضاً فيما يسمى «الجيش الشعبي» وبالطبع في التشكيلات الطائفية ذات الأسماء الكثيرة والمتعددة وعلى غرار ما هو عليه الوضع في «حزب الله» اللبناني وفي «فاطميون» وفي بعض التنظيمات العراقية التي من بينها ما يسمى «الحشد الشعبي».
كان الاتحاد السوفياتي قد وضع قدميه في سوريا، سياسياً وعسكرياً واستخبارياً، في عهد الرئيس حسني الزعيم الذي كان قد قام بأول انقلاب عسكري في عام 1949 وهكذا فقد بقي هذا الوجود متواصلاً ومستمراً وبقي يتخذ أشكالاً متعددة في زخم الانقلابات العسكرية التي تلاحقت منذ نهايات عشرينات القرن الماضي وعملياً حتى انقلاب حافظ الأسد في عام 1970 وقبله انقلاب فبراير (شباط) عام 1966، الذي أطلق عليه أصحابه بقيادة اللواء صلاح جديد مصطلح «الحركة التصحيحية»، وانقلاب مارس (آذار) عام 1963 وقبله الانقلاب (الانفصال) على الوحدة المصرية – السورية أي على الجمهورية العربية المتحدة، وحيث كان الرئيس جمال عبد الناصر قد فتح أبواب هذه الدولة لـ«الرفاق» السوفيات وبالطول والعرض وربما كان هذا مكافأة لهم لأنهم كانوا قد وقفوا إلى جانبه فيما سمي «حرب قناة السويس» أو «العدوان الثلاثي» في عام 1956 ولأنهم كانوا أصحاب المساهمة الرئيسية في بناء السد العالي الشهير الذي كان بدأ بناؤه في عام 1960 وافتتح رسمياًّ في عام 1970.

إن المقصود هنا هو أن الروس بحكم تاريخ طويل كان قد بدأ في عام 1929 كانوا وما زالوا يرون أنفسهم، على اعتبار أنهم ورثة الاتحاد السوفياتي في مثل هذه الأمور وأيضاً في غيرها، أنهم الأولى بأن يكونوا الرقم الرئيسي في سوريا بعد هذه المعادلة المُستجدة التي كانت قد بدأت في عام 2011، فالإيرانيون بالنسبة إليهم «طارئون» والأميركيون «انتهازيون» ومستغلون وهم، أي الروس، باتوا يشعرون بأنه إذا استمر كل هذا التمدد الإيراني في هذا البلد العربي وأيضاً في العراق وفي لبنان وفي اليمن فإنه قد يأتي اليوم الذي سيخرجون فيه من هذا «المولد بلا حمص» والواضح أن فلاديمير بوتين ومن معه يأخذون بعين الاعتبار أن إيران قد رسخت قدميها بالفعل في هذه المنطقة، رغم كل مناورات أميركا وإدارة دونالد ترمب وقبل ذلك رداءة أداء باراك أوباما، بعدما كانت قد خسرت حرب الثمانية أعوام مع العراق وحيث قد حققت لاحقاً كل هذا التمدد في «القطر العربي السوري» وبكل أشكاله العسكرية والأمنية و«الميليشياوية»... وأيضاً... أيضاً المذهبية وعلى غرار ما فعله ويفعله «حزب الله» اللبناني والتشكيلات الطائفية الأخرى التي وصل عددها بالإضافة إلى التنظيمات الوهمية والحقيقية والصغيرة والكبيرة إلى العشرات والبعض يوصل الرقم إلى المئات!!

إنه لا شك في أن الروس بحاجة إلى إيران بالنسبة لكل هذا الصراع الذي تشهده هذه المنطقة وبالنسبة لكل هذه التمزقات المتحركة والزاحفة التي يشهدها الشرق الأوسط كله، لكن ما باتوا يخشونه بالفعل هو أن هذا التمدد الإيراني، وبأشكاله المتعددة والمتنوعة، قد تجاوز كل ما يمكن الاطمئنان إليه، وبخاصة أن الإيرانيين قد ردوا على إنشاء روسيا الاتحادية قواعد لها في «حميميم» وطرطوس بإقامة قاعدة لهم «استراتيجية» بالفعل في اللاذقية وهذا يعني أنهم إن هم وضعوا أقدامهم في مياه البحر الأبيض المتوسط فإنهم سيقضون على تطلعات روسيا نحو قبرص وأنهم من غير المستبعد، طالما أنهم «أصحاب تقية»، أن يضعوا أيديهم في يد الولايات المتحدة وعلى غرار ما كانت عليه الأمور في المرحلة الشاهنشاهية.
ثم إن المشكلة التي ينظر إليها الروس والأميركيون من زاوية واحدة هي أن تصبح سوريا قاعدة إيرانية فهذا سيشكل تهديداً فعلياً لإسرائيل إنْ ليس الآن وفي المدى المنظور فعلى المدى البعيد، ولهذا فإن الإسرائيليين، وبخاصة بعدما أهداهم دونالد ترمب «السيادة» على هضبة الجولان السورية المحتلة، سيرون أنهم الأحق بإخراج الإيرانيين من هذا البلد المجاور الذي لديهم قناعة، هي لدى روسيا وأميركا أيضاً، بأنه لن يبقى على ما كان عليه وأن «تشرذمه» قادم لا محالة، وحقيقة أن هذا تطور إن هو حصل، ونسأل الله ألا يحصل، فإنه سيوجع قلب كل عربي فيه ولو ذرة واحدة من العروبة الصادقة.

إن ما يخيف فعلاً وإن ما يدل على أن التقسيم بات يهدد هذا البلد العربي هو أن بشار الأسد كان وفي وقت مبكر بعد عام 2011 قد تحدث عمّا وصفه بـ«سوريا المفيدة» وأن شعباً سورياً من خمسة عشر مليون «متجانس» أفضل من شعب من ثلاثين مليوناً «غير متجانسين» والمقصود هنا، حسب من هُمْ الأكثر معرفة بهذه الأمور، هو التجانس الطائفي والمذهبي وليس التجانس الطبقي أو التجانس القومي وأيضاً لا التجانس الثقافي والحضاري... والمثل يقول: «المكتوب يقرأ من عنوانه»!!
هناك مثل عند فلاحي هذه المنطقة يقول: «عندما تقع البقرة يكثر السلاّخون» وهذا يعني أن الروس والأميركيين عندما يراجعون حساباتهم الجدية سيصلون إلى استنتاج بأن ترك الإيرانيين يواصلون كل هذا التوغل الاستحواذي في سوريا فإن النتيجة ستكون وبالتأكيد إخراجهم ليس من هذا البلد العربي وفقط وإنما من هذه المنطقة «الاستراتيجية» كلها... وهذه مسألة يجب أن يأخذها العرب الذين لا تزال إرادتهم في أيديهم بعين الاعتبار وبخاصة أنهم أصحاب تجربة عنوانها «سايكس – بيكو»!!
إن هذا كله ليس مجرد تحليق في سماء الأوهام... إنه حقائق باتت واضحة ومعروفة اللهم إلا إذا كان هناك من لا يريد أن يقرأ ولا يريد أن يرى، فهناك لقاءات ومفاوضات روسية – أميركية جدية و«بإطلالة» إسرائيلية عن قرب وعن كثب وهكذا فإن سوريا التي نعرفها قد لا تبقى هي نفسها وسواءً بقي فيها الإيرانيون أو أُخرجوا منها والمفترض أن بشار الأسد، الذي ما كان ينتظر أن يكون رئيساً لبلد بكل هذه الأهمية وبكل هذا التعقيد لولا تدخل القدر وتغييب شقيقه باسل بحادث سيارة مرعب، يعرف هذا كله ويدرك أنه إذا بقي يسير على هذا الطريق الذي يسير عليه فإنه سينتهي إلى ما يسمى في المصطلحات السياسية «مزبلة التاريخ» وهذا أمر متوقع وفي فترة قريبة وفقاً للحسابات الزمنية!!