عائشة المري

يتخذ المشهد في الخليج العربي منحى تصعيدياً في ظل حرب الناقلات التي اشتعلت بعد تعرض ناقلتي نفط نرويجية ويابانية، الخميس الماضي، لهجومين في بحر عمان، مما أدى لاشتعال النيران فيهما وإجلاء طاقميهما. وهو ثاني هجوم خلال أقل من شهر، إذ تعرضت في الثاني عشر من مايو الماضي 4

سفن للتخريب في خليج عمان داخل المياه الاقتصادية الإماراتية قبالة ساحل إمارة الفجيرة، وهن ناقلتا نفط سعوديّتان وناقلة نفط نرويجيّة وسفينة شحن إماراتيّة، ووصفت الخارجية الإيرانية الحادث آنذاك بـ«المؤسف والمثير للقلق»، محذرةً مما اعتبرته «مؤامرات الحاقدين»! لكن تحقيقات الجيش الأميركي، والتي تمت بطلب رسمي من دولة الإمارات العربية المتحدة، أشارت -كما جاء على لسان الأدميرال مايكل جيلداي (مدير الأركان المشتركة)- إلى أن قوات الحرس الثوري الإيراني هي المسؤولة عن العملية، من خلال استخدامها الألغام البحرية.&
وحمّلت الولاياتُ المتحدةُ وبريطانيا إيرانَ مسؤوليةَ الهجوم على ناقلتي النفط النرويجية واليابانية، ونشر الجيش الأميركي، الجمعة الماضي، تسجيلاً مصوراً يُظهِر قيام الحرس الثوري بإزالة لغم لم ينفجر من جانب إحدى الناقلتين، بينما قالت إيران إنها ذهبت لإنقاذ البحارة على متن الناقلتين، فيما أوضح سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي أن الهجوم الذي استهدف أربع سفن تجارية في خليج عمان الشهر الماضي، قامت به دولة، قائلاً إن «هذه القدرات غير موجودة عند جماعات خارجة عن القانون.. هذه عملية منضبطة تقوم بها دولة».

وتثير عمليات استهداف السفن والشاحنات تساؤلات حول مَن المسؤول عنها أولًا؟ ومَن المستفيد من إشعال حرب بحرية في الخليج ثانياً؟
قد لا تتطابق الإجابة على السؤالين، لكن المؤكد أن أصابع الاتهام تتجه إلى إيران، إذ لها دوافع واضحة منسجمة مع تهديداتها المتكررة على لسان مسؤوليها باستهداف الملاحة في مياه الخليج، وضمنهم قادة في الحرس الثوري هددوا بأنه إذا تم حظر صادرات نفط إيران فسيقومون بعرقلة شحن النفط من دول المنطقة، وكان الرئيس الإيراني روحاني نفسه قد هدد في يوليو 2018 بإغلاق مضيق هرمز بوجه صادرات النفط، قائلاً إن بلاده لن تسمح لدول المنطقة بتصدير نفطها عبر الخليج لو مُنعت إيران من تصدير نفطها، بسبب العقوبات الأميركية. أي أن حرب الناقلات التي استدعتها إيران من ذاكرة الحرب العراقية الإيرانية هي تأكيد إيراني على أن الملاحة في مضيق هرمز، أهم الممرات الدولية لتدفقات حركة النفط العالمية، لن تكون آمنة دون موافقتها! لقد أعادت الحادثتان الحديث عن حرب الناقلات إبان فترة الحرب العراقية الإيرانية عندما استُهدِفت العديد من الناقلات التابعة لمختلف الدول، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط، وتدخل الولايات المتحدة لحماية ناقلات النفط.
اليوم تدرك إيران أن مهاجمة حركة الملاحة البحرية كفيل باستدعاء رد عسكري أميركي، فالحقائق تشير إلى أن القدرات العسكرية لإيران لا تسمح لها بدخول حرب نظامية متماثلة مع القوات الأميركية في المنطقة، نظراً لاختلال الميزان العسكري الهائل بين الجانبين، لذلك ربما تلجأ إيران إلى استخدام

الحرس الثوري ووكلائه في المنطقة تطبيقاً لأسلوب الحرب اللامتماثلة. لكن إذ استمر التصعيد الحالي في الخليج، فمن المرجح أيضاً أن التهديدات الإيرانية قد تنقل الحرب الاقتصادية الأميركية على إيران إلى حرب عسكرية تستدعيها التصرفات الإيرانية ويدفع لها صقور الإدارة الأميركية. فإذا أقدمت إيران مستقبلاً على عمل عدائي فستوجه الولايات المتحدة ضربات عسكرية محددة ودقيقة مركزة لأهداف استراتيجية وحيوية في إيران، من قواعد بحرية وجوية ومنصات إطلاق صواريخ بالسيتية وبطاريات دفاع جوي ومحطات رادار ومراكز قيادة وسيطرة.. بما يحدث شللاً كاملاً لإيران يجبرها على إيقاف أي أعمال عدائية، وبالتالي الجنوح للتهدئة. لذلك فمخاطر التصعيد تفوق المكاسب المحتملة لطهران.

&

&