& محمد خليفة

على مدى الشهور الماضية المترعة بالأحداث الكارثية، والعالم يحيا مزيجاً من صراع المبادئ. أحداث عاصفة تزلزل الأرض تحت أقدام العديد من الأمم. فخلال هذه الفترة الثقيلة الوطأة، الجسيمة الأثر، والعالم يعيش مخاض الأحداث الجارية المثقلة بآلامها.
ففي ظل الظروف المعقدة والتصورات المضطربة، اختلطت الرؤى عند ذوي النظرة القاصرة في النظام الإيراني، فلم يستطع، في ظل الانتهازية الدينية والسياسية، تمييز الخطأ من الصواب، فانغمست يده في نيران التطرف؛ بعد أن اختلطت عند، هذا النظام، المواقف والمنافع فلم تكن له مبادئ صادقة تحميه من المتاجرة بمواقفه السياسية، وها هي المواقف الضبابية تقوده إلى مغامرة جديدة من مغامراته السياسية؛ وهي التهديد بإغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة البحرية من الخليج العربي وإليه. والمتتبع لسياسات النظام الإيراني يرى أنه كلما سئم المجتمع الدولي من سياساته المتهورة، وقام بفرض عقوبات رادعة لهذا النظام، فإذا بهذا النظام الهش، يوجه سياساته العدوانية تجاه الدول العربية المجاورة، التي لا تُشكل تهديداً له. وقد هدد الرئيس الإيراني حسن روحاني بكل وضوح بتعطيل شحنات النفط العربية والخليجية، إذا مضت الولايات المتحدة قدماً في حصارها الاقتصادي، ومنعت تصدير النفط الإيراني.

وعاد بعده رئيس الأركان المسلحة الإيرانية للتلويح أيضاً بورقة «إغلاق مضيق هرمز».
ويجمع مضيق هرمز بين بحر العرب والخليج العربي، وتسيطر إيران على الضفة الشرقية له، أما الضفة الغربية فهي تحت سيادة سلطنة عُمان، وينُصّ القانون الدولي والاتفاقات الدولية على ضرورة السماح بمرور السفن التجارية عبر المضايق الموصلة بين بحرين عاليين، ومن ثم عدم جواز إغلاقها في وجه الملاحة؛ لأن المضيق هو جزء من أعالي البحار، وبالتالي لكل السفن الحق والحرية في المرور من خلاله، ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية، أو يمس نظامها أو أمنها. وقد حاولت إيران في مؤتمري الأمم المتحدة لقانون البحار اللذين عُقدا في جنيف عام 1960، إخضاع مضيق هرمز لحق المرور البريء؛ لتتمكن من السيطرة عليه؛ لكن طلبها رُفض من قِبل جميع المشاركين. وأعادت هذه المحاولة في مؤتمر قانون البحار؛ لكنها فشلت أيضاً في مسعاها.&
وترسخ حق المرور العابر في مضيق هرمز بموجب اتفاقية قانون البحار لعام 1982. ويبلغ أقصى عرض للمضيق 50 كلم، وأقل عرض له 34 كلم، وهو يعد من أهم المضايق العالمية؛ لأن 24 في المئة من إجمالي صادرات الطاقة العالمية تمر من خلاله. وهو ممر بحري إجباري لدول عربية؛ منها: الإمارات والبحرين والسعودية والكويت وقطر والعراق.&

ورغم تهديد إيران المتواصل بإغلاق هذا المضيق؛ لكنها لم تجرؤ على تنفذ تهديدها حتى خلال الحرب الإيرانية العراقية، ولا خلال العقوبات النفطية الأمريكية ضدها، ولن يكون بمقدورها اتخاذ أية تدابير أحادية الجانب بشأن المضيق أو العبث بمياهه؛ لأن القانون الدولي يضمن حرية الحركة في المضيق، وإغلاقه التام يعني تدخل مجلس الأمن الدولي؛ لتحرير حركة النقل المدني، وهنا لا بد من التدخل العسكري. وهكذا ستجد إيران نفسها في مواجهة حتى مع الدول الصديقة لها؛ وهي: الصين وروسيا؛ حيث تعول عليهما الآن لتفادي الضغوط الأمريكية الهائلة عليها؛ ولذلك فهي لن تقدم على تنفيذ تهديدها وإغلاق المضيق من جانب واحد؛ لمنع المرور عبره. ولن يُغلَق المضيق إلا في حالة واحدة فقط، وهي حالة وقوع مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.&
والمتأمل للموقف الحالي، والتصريحات التي تصدر من الجانبين يستبعد أن تقع حرب بين الجانبين، ويستبعد كذلك، على المدى القريب، أن تغير الولايات المتحدة من سياستها وترفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على هذا النظام.
فليس أمام النظام الإيراني من خيار في مواجهة الولايات المتحدة سوى إعلان الحرب عليها، أو الصبر على العقوبات. وبالنسبة للحرب، فمن المؤكد أنها لن تجرؤ على القيام بها؛ لأنها تعلم تماماً أن الولايات المتحدة قادرة على تحطيم قوتها؛ لما تملكه من فائض قوة، وخاصة عبر القوات الجوية والبحرية.&
ما لم يتدخل الوسطاء لحل يرضي الطرف الأمريكي، ويرغم النظام الإيراني الذي يعاني الآثار الاقتصادية المترتبة على هذا الحصار، ومن غير المعروف ما إذا كانت إيران قادرة على تحمل المزيد من هذه الآثار التي قد تؤدي إلى تفجر الوضع الداخلي؛ لكن الولايات المتحدة، بكل تأكيد، قادرة على فرض المزيد من الضغوط على هذا النظام. فهل يظل هذا النظام صامداً بين مطرقة الحصار وسندان العقوبات الاقتصادية؟

&