&إسلام المنسي&&

في خضم تفاصيل المشاكل المتعلقة بدور طهران التخريبي في المنطقة، تغيب عن الواجهة أحياناً قضية الخطر السيبراني الإيراني، والتهديد الذي يمثله هذا المشروع لدول المنطقة والعالم، إذ استهدف هذا البرنامج السيبراني عدداً كبيراً من المؤسسات الحكومية والخاصة في الدول العربية والغربية على السواء، وزادت وتيرة هجماته بعد فرض واشنطن الحزمة الأولى من عقوباتها على نظام "الملالي".


يرفض الإيرانيون الانضمام إلى اتفاقية الأمن السيبراني حتى الآن، لمعرفتهم أنها ستضع قيوداً على الأنشطة الإلكترونية الإرهابية التي يعتمدون عليها بشكل كبير في سياستهم الخارجية القائمة على الإتجار بالمشاكل والأزمات، وتهديد أمن الدول الأخرى. ففي وقت يجري الحديث عن التهديدات النووية والصاروخية، من الضروري أن يشمل أي اتفاق جديد مع إيران مسألة كبح جماح القدرات السيبرانية الهجومية، والتي كانت ضمن 12 مطلباً أعلنها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في أيار (مايو) 2018، عقب الانسحاب من الاتفاق النووي، والتي تم فرض العقوبات على طهران لعدم التزامها بها. وعند إعادة التفاوض على بنود الاتفاق النووي ولو بعد حين، لا بد أن تتلافى الاتفاقية المنتظرة الأخطاء السابقة، وألا تقتصر على الملف النووي، في عصر أضحى مفهوم قوة الدولة، يشمل ترسانتها السيبرانية إلى جانب المقومات العسكرية الأخرى المعروفة، وأصبح المجال الافتراضي إحدى ساحات الصراع الدولي المهمة.

ينتهز نظام "الملالي" صعوبة إثبات مصدر الهجمات الإلكترونية، للتنصل من العواقب الديبلوماسية والقانونية الناجمة من مثل هذه الأعمال، التي تشمل التجسس والتخريب وبث التهديدات، والتي تنفذها أذرع ميليشياوية إلكترونية، تتخفى تحت مسميات وهمية، وتنتشر في الكثير من الدول.

على مدار السنوات العشر الماضية شكلت الأدوات السيبرانية الوسيلة المثلى لنظام "الملالي" لإيذاء خصومه حين يعجز عن مواجهتهم في عالم الواقع، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى. يبحث القراصنة الإيرانيون عن أي ثغرة متاحة في مرافق الدول المستهدفة، وغالباً ما تكون مؤسسات مدنية المفترض أنها خارج دائرة الاستهداف في الأساس، كمحطات المياه والسدود. العبرة لديهم أنها تُلحق ضرراً بالدولة المقصودة لا أكثر. وسبق أن أعلن وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، أن إيران باتت أكثر الدول تهديداً في الفضاء السيبراني، وأنها البلد الوحيد في العالم الذي هاجم المملكة مراراً وتكراراً.

قد تبلغ الأضرار الناجمة عن اختراق إلكتروني واحد أضعاف ما يتسبب به هجوم صاروخي، أو غارة جوية. ولهذا، تبدو الضرورة مُلحة لإلزام الأطراف الدولية المنفلتة مثل إيران بالالتزام بقواعد متفق عليها في الفضاء الرقمي، وتفعيل آليات محاسبتها، ومراقبة أنشطة "منظمة الدفاع السلبي" التابعة للجيش الإيراني، وتفكيك الميليشيات الإلكترونية المرتبطة بطهران كـ" آشيانه" و"جيش إيران السيبراني" و"باراستو" و"الجيش اليمني السيبراني"، وغيرها من المجموعات الافتراضية، التي ثبت ضلوعها في هجمات سابقة. ولنا مثال واضح في الحادثة الشهيرة التي وقعت في نيسان (أبريل) 2013 عندما اخترقت إحدى الميليشيات الإلكترونية المعروفة بارتباطها بطهران، موقع وكالة "أسوشيتد برس" ونشرت عليه خبراً مفبركاً عن وقوع انفجارين في البيت الأبيض وإصابة الرئيس الأميركي باراك أوباما، ما أدى إلى خسائر لحظية تقدر بـ 136 بليون دولار في مؤشر "داوجونز".

ولم يقتصر مدى تلك الهجمات الرقمية على الدول فقط، بل طالت هيئات دولية، كمنظمة الطاقة الذرية التي كان موقعها الرسمي ضحية للقرصنة الإلكترونية، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، عندما أصدرت تقريراً تشكو فيه من إعاقة الإيرانيين عمليات التفتيش على المفاعلات النووية واستمرار توسع قدراتهم على تخصيب اليورانيوم. ويشار إلى أنه طبقاً للحكمة القائلة بأن "الذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة"، فإن الخوف من الرد الانتقامي بالأسلوب ذاته، يشكل رادعاً للأطراف الدولية المختلفة عن شن الهجمات السيبرانية. ولهذا، تجهز طهران لإطلاق شبكة إنترنت محلية، معزولة عن العالم، ما سيوفر لها حصانة ضد الهجمات الخارجية، ويشجعها على تصعيد عدوانها الإلكتروني، عندما تطلق شبكتها المحصنة، التي أعلن ما يسمى بـ"المجلس الأعلى للثورة الثقافية" في إيران الشهر الماضي عن اكتمالها بنسبة 80 في المئة.

&