& يحيى الأمير

منذ كامب ديفيد وكل إجراء أو خطة تتعلق بالقضية الفلسطينية تواجه حالة من الاعتراض المطلق مصحوبا بأقسى عبارات التخوين والرفض. يحدث ذلك من الشارع العربي الذي تربى على نظرة واحدة للقضية الفلسطينية ونظرة واحدة لإسرائيل واستقبل القضية على أنها خلاف ديني عقدي وبالتالي ارتبط تفكيره بالقضية ببعد مفرغ من السياسية والواقعية والبحث عن المصلحة والجدوى.

إقليميا، تمثل القضية الفلسطينية أكبر وأهم بضاعة سياسية لعبت عليها الكيانات التي لديها أزمة في شرعيتها؛ النظام الإيراني جعل من فلسطين ورموزها الدينية مادة أولى للتكسب والحصول على شرعية وجماهيرية في الداخل والخارج وأطلقت أسماء القدس وفلسطين على الكتائب والميادين والمعسكرات. حزب الله الإيراني في لبنان يبني أصلا مشروعية وجوده على المقاومة لإسرائيل، وحركة حماس وكل تشكيلات وفروع جماعة الإخوان المسلمين والنظام الحالي في تركيا وحتى جماعة أنصار الله الحوثية كل هؤلاء تمثل القضية الفلسطينية لهم أكبر وأهم سوق ومصدر لاكتساب الشرعية. حفلة الادعاء الكبرى هذه تجعل من كل تلك الكيانات أبرز مدافع عن بقاء القضية دون حل، ولذا تمثل أية خطوات جديدة للحل أو بناء المبادرات الجديدة تهديدا كبيرا لهم.

منذ أن أعلن أن الرئيس ترامب لديه خطة لحل القضية الفلسطينية والمسألة الإسرائيلية حتى تعرضت لحملات قدح وتشويه ممنهج بلغ أشده مع انعقاد ورشة السلام من أجل الازدهار التي احتضنتها المنامة الأسبوع الماضي.

لقد جربنا في القضية الفلسطينية كل شيء؛ المواجهة المسلحة غير المتكافئة والبطش الذي يتعرض له المتظاهرون، والعمليات الانتحارية التي جعلت العالم أكثر اصطفافا مع إسرائيل ضد همجية تلك العمليات، وجربنا الحلول السياسية التي غالبا ما يحيط الحذر بجميع الأطراف وهم يتعاملون معها، وجربنا كيف أن إسرائيل وغيرها من الكيانات في المنطقة قد أفسدوا كثيرا من المبادرات السياسية.

اليوم القضية بحاجة إلى رؤية جديدة، لماذا لا يكون الاقتصاد والتنمية هو المدخل لخطة حل شاملة وواسعة تعتمد في بنيتها السياسية على المبادرة العربية وتتحول الخطة من كونها مجرد حل للقضية الفلسطينية لتصبح حلا للمنطقة ولكل البلدان التي تواجه تحديات يومية مع استمرار القضية بدون حل.

الخطة التي تحتاج إليها القضية الفلسطينية تستلزم أولا التخلص من كل اللاعبين القدامى في القضية والمتاجرين بها، لقد استنزفوا كل العقود الماضية دون تقديم أي شيء يذكر للقضية، بل على العكس أسهموا في تأزيم الواقع الفلسطيني الداخلي والقضية بشكل عام.

إن حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي تمثل دليلا على أنه لا يوجد موقف موحد حتى بين القوى الفلسطينية ويوجد تضارب واسع في المصالح والانتماءات. وبالتالي لا يمكن ترك القضية ذات التأثير الإقليمي الواسع في أيدي المنتفعين والمتاجرين من حماس إلى حزب الله وإيران.

لم يعلن الشق السياسي للخطة بعد، لكن ما شهدته المنامة الأسبوع الماضي يمثل خطوة مهمة وحيوية وواقعية للغاية، وحالة الرفض والتخوين التي قوبلت بها الورشة تدل بوضوح على أهمية إخراج اللاعبين القدامى من القضية وبناء منظور جديد للحل.

لقد أنتج لنا التعامل السابق مع القضية الفلسطينية كثيرا من أدب المقاومة ومجموعة هائلة من الأغاني الرائعة والقصائد الممتعة، لكنه لم يحرر شبرا على الأرض ولم يستطع أن يوحد حتى بين الفلسطينيين أنفسهم.