بدأت أمس أعمال قمة مجموعة العشرين في أوساكا بجو من الانسجام وبمهادنة لافتة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وإلقائه دعابة ذات مغزى حول روسيا، وسط عدم تحقيق تقدم حقيقي حول الملفات الخلافية وضمنها المناخ.
ورغم أجواء الحرب التجارية التي تدور رحاها بين الولايات المتحدة والصين، حرص الرئيس ترمب على إطلاق تصريحات تصالحية وأظهر ودية كبيرة بعد سلسلة هجمات أطلقها أخيرا.
وأشاد ترمب بـ"المصانع الرائعة" التي بناها صانعو السيارات اليابانيون في الولايات المتحدة، بعد أن كان قد انتقد علنا اعتماد اليابان عسكريا على الولايات المتحدة.
وانطلقت القمة بكلمة لرئيس وزراء اليابان شينزو آبي ، الذي أكد رغبة بلاده في أن تضيف قمة العشرين زخما إلى إصلاحات منظمة التجارة العالمية، محذرا في الوقت نفسه من مخاطر يمكن أن تؤدي إلى هبوط الاقتصاد العالمي.
وحث آبي في كلمته بافتتاح أعمال القمة قادة مجموعة العشرين على اتخاذ الإجراءات الضرورية لتحفيز الاقتصاد العالمي.
ووفقا لـ "الفرنسية"، أراد آبي أن يضع المحادثات في مدينة أوساكا اليابانية الساحلية تحت عنوان "الانسجام الجميل"، في إشارة إلى معنى كلمة "ريوا" اليابانية، اسم الحقبة الجديدة التي أطلقها الإمبراطور الجديد ناروهيتو.
وأوضح أن الاقتصاد الرقمي حول وبشكل سريع جوانب مختلفة في مجتمعات واقتصاديات الدول.
فيما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في كلمته خلال الجلسة أهمية مرونة وأمن شبكات الجيل الخامس، وقال: "بينما نوسع التجارة الرقمية، يتعين علينا أيضا ضمان المرونة والأمن لشبكات الجيل الخامس. هذا أمر مهم للغاية لسلامتنا ورفاهيتنا المشتركة".
وأوضح ترمب أن الاقتصاد الرقمي يحتاج إلى التدفق الحر للبيانات وحماية الخصوصية والملكية الفكرية بشكل قوي.
وتناقش القمة عددا من الموضوعات المتعلقة بالاقتصاد العالمي والتجارة الدولية والاستثمار والابتكار والبيئة والطاقة والوظائف والتطوير وغيرها، إضافة إلى بحث وسائل تعزيز التعاون بين الأسواق الناشئة والدول النامية ومتابعة تنفيذ أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وأعرب ترمب أيضا عن رغبته في التوصل إلى "تفاهم" مع الهند، كما وصف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها "مذهلة". وللولايات المتحدة خلافات تجارية مع كل هذه الدول، وقرر اليابانيون والأمريكيون من جهتهم "تسريع" محادثاتهم التجارية خصوصا حول الزراعة والسيارات.
من جهة ثانية، اعتبر ترمب أنه "لا داعي للعجلة" فيما يتعلق بمسألة حل التوترات بين الولايات المتحدة وإيران التي أثارت مخاوف من نشوب صراع عسكري.
وقبيل الصورة التقليدية لزعماء دول مجموعة العشرين، صعد ترمب إلى المنبر وهو يسير إلى جانب بوتين، متبادلا معه أطراف الحديث ومربتا على ظهره.
ولفت الرئيس الأمريكي الأنظار بإطلاقه دعابة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء ثنائي بينهما تتعلق بملف الانتخابات الأمريكية والتدخل الروسي فيها، وهي مسألة شديدة الحساسية في الولايات المتحدة.
وتتواصل التحقيقات البرلمانية في الولايات المتحدة حول علاقات حملة الرئيس الجمهوري الانتخابية في عام 2016 مع روسيا.
وقال ترمب وعلى وجهه ابتسامة ساخرة، ملتفتا إلى الرئيس الروسي: "لا تدخل في الانتخابات أيها الرئيس، لا تدخل"، ملوحا بسبابته، فابتسم بوتين، وهو يسمع الترجمة.
وجاءت إجابة ترمب، ردا على سؤال صحافي حول خطر حصول تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 التي ترشح إليها ترمب رسميا.
وسرعان ما انتشر فيديو هذه اللقطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وجرى تداول فيديو آخر في وقت لاحق، سجل قبل دخول الصحافيين إلى القاعة، وبثته شبكة "سي إن إن" الأمريكية بشكل خاص.
ويقول ترمب في هذا الفيديو لبوتين: "الأخبار الكاذبة. تفتقدون هذه المشكلة في روسيا"، مستعيدا بذلك عبارته المفضلة حين يريد ذم الصحافيين.

&

وأجابه الرئيس الروسي بالإنجليزية "بلى، بلى، بلى. لدينا هذه المشكلة"، وتابع ضاحكا "الأمر مماثل"، ما جعل ترمب يضحك بدوره.
وخلال لقائه الأخير مع نظيره الروسي في فنلندا في تموز (يوليو) 2018، تعرض ترمب لانتقادات شديدة في الولايات المتحدة، حيث اعتبر أنه اعتمد لهجة تصالحية للغاية.
ونقلت وكالات أنباء روسية عن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين قوله إن الرئيس الأمريكي عبر عن استعداده لبدء حوار مع روسيا بشأن الاستقرار الاستراتيجي، ونزع السلاح، وتحسين العلاقات التجارية.
وأفاد بيسكوف أن الرئيسين بوتين وترمب بحثا أيضا قضية البحارة الأوكرانيين المحتجزين في روسيا منذ أواخر 2018.
وكال ترمب المديح للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال لقاء مباشر بينهما، معتبرا أنها "شخص مذهل وامرأة مذهلة".
لكن المستشارة لم تبد أي ردة فعل، حتى حين حاول ترمب الإيحاء بجو من المودة أمام الكاميرات عند التعليق على مناظرة المرشحين الديمقراطيين للرئاسة الأمريكية.
ولم يلجأ ترمب إلى الألقاب التي اعتاد على استخدامها عند الحديث عن كل من يسعى لأن يخلفه في البيت الأبيض عام 2021، لكن ذكر بلهجة مرحة "أفضّل أن أكون هنا مع ميركل على أن أكون أمام الشاشة" لمتابعة المناظرة التلفزيونية للمرشحين الديمقراطيين.

لكن لم تبد ميركل أي رد فعل ملحوظ على كلامه، وربما لا تزال ميركل مستاءة من التعليقات الأخيرة لترمب حول ألمانيا التي اتهمها بالتقصير إزاء حلف شمال الأطلسي التي أشار إلى أنها تستفيد بثمن زهيد من الحماية العسكرية الأمريكية.
وفيما يتعلق بأكثر المواضيع حساسية في قمة مجموعة العشرين، وهو الخلاف التجاري بين واشنطن وبكين، أعلن ترمب أنه يتوقّع لقاء "بناء" مع نظيره الصيني شي جين بينج.
وسيحاول الزعيمان اليوم خلال لقائهما المرتقب خفض التصعيد في ملف النزاع التجاري والتكنولوجي، ولكن من غير المتوقع أن ينال الرئيس الصيني قسطا من مجاملات ترمب، وعلى الرجلين أن يحاولا إيجاد حلّ للنزاع بين بلديهما الذي يلقي بثقله على الاقتصاد العالمي.
وتهدد واشنطن بفرض رسوم جمركية على كل السلع الصينية التي تستوردها الولايات المتحدة وهو ما سيشكل نقطة لا عودة في النزاع بين العملاقين، وتندد الصين بما تصفه بـ"المضايقات" الأمريكية.

ورغم ذلك، يأمل محللون كثر بالتوصل إلى هدنة في أوساكا، رغم أن اتفاقا تجاريا بين الطرفين يبدو بعيدا في الوقت الحالي.
وتبحث القمة أيضا ملف المناخ الذي لا يتوقع حصول انفراج حوله، وهو يشكل ملف توتر متكرر في مجموعة العشرين منذ انسحاب إدارة ترمب من الاتفاق المناخي الموقع في باريس خلال عام 2015.
وأكد مقرّبون من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن ملف المناخ "الأكثر صعوبة" في القمة، مضيفين أن الأمريكيين يعتمدون موقفا "متشددا جدا" ويسعون إلى "استقطاب ثلاث أو أربع دول أخرى" قد ترفض أيضا توقيع إعلان دعم لاتفاق باريس.
كذلك هناك اختلافات عميقة بين قادة دول وحكومات حول مفهوم السلطة السياسية، وفي هذا الإطار، انتقد بوتين في مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" الأفكار التقدمية "الليبرالية" للديمقراطيات الغربية.
وأشار بوتين إلى أن التقدميين "لا يمكنهم إملاء ما يريدون على غرار ما فعلوا في العقود الأخيرة"، مشيدا بتشدد ترمب في ملف الهجرة غير النظامية، معتبرا أن "هذا الفكر التقدّمي عفا عليه الزمن".
ورد عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قائلا: إن "لدى الديمقراطيات الكثير لتقدمه، أنا واثق بأنه في هذا العالم الحافل بالغموض، لا يزال لدى الديمقراطيات الكثير لتقوم به وتقدمه. إنها ليست النموذج الوحيد، لكنها نموذج موجود وقوي"، آملا بمواصلة "الحوار بين الديمقراطيات الليبرالية وتلك التي يمكن أن تقول عن نفسها إنها أقل" على هذا الصعيد.
وتعامل الرئيس الروسي مع هذه التصريحات بابتسامة، وعلى غراره وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.

ودعا ماكرون إلى "تحسين" العلاقات بين باريس وموسكو، فيما صرح بوتين "أود التشديد على أن فرنسا هي أحد أبرز شركائنا".
وندد دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي أيضا بتصريحات بوتين، وذكر أن "ما اعتبر أنه عفا عليه الزمن هو التسلط وعبادة الشخص وحكم القلة، حتى لو أن ذلك قد يبدو أحيانا مجديا".
وفي لقاء أول فاتر منذ تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال عام 2018 على الأراضي البريطانية، بين رئيسة الوزراء البريطانية وبوتين، حثت تيريزا ماي الرئيس الروسي على "الكف عن أعمال زعزعة الاستقرار التي تهدد المملكة المتحدة وحلفاءها" مع استبعاد "تطبيع للعلاقات الثنائية" بين البلدين إذا لم تفعل روسيا ذلك.

&