&شاهر النهاري

بؤرة السرطان الخبيثة قد ترتكز في جزء صغير من الجسد، وبعد تمكنها لا تلبث أن ترسل خلاياها المنشطرة المسرطنة، عبر الممرات اللمفاوية، والشرايين، بذور تخريب مستقبلي يتجه لسائر أعضاء الجسد، المركزي منه، والطرفي، لتكرار ما حصل في منطقة البداية، بشكل غادر مرعب مهلك، مفاجئ.

والإرهاب كذلك، مرض سرطاني أصاب جزءاً من الشرق الأوسط، وقد استمرت محاربته في نفس المنطقة، ولكنه انشطر وعاود الظهور في مختلف أعضاء الكرة الأرضية، فكان آخرها ذلك الهجوم العنيف على دولة سيرلانكا، تلك المنطقة الهادئة، التي لم تكن تظن يوماً أنها مستهدفة، من هذا السرطان الجائر.

كثير من دول العالم تسببت وساعدت وغضت الطرف، واستغلت، أو مكنت لنوع معين من الإرهاب البعيد عنها، ولكونه يخدم تطلعاتها السياسية، أو العنصرية، أو المذهبية، أو الاقتصادية، أو حتى لمجرد إشاعة الفوضى، وتمكين القدرة والأهمية.

الإرهاب جرم متعدد الفاعلين، وإن كانت دولة منخرطة فيه مثل إيران لا تعترف بذنبها، فظل لفترة طويلة لا يصيب داخلها، بينما ترسله سرطاناً لمختلف أطراف الأرض، لا يفرق بين متهم وبريء، ولا بين دولة شريرة ودولة محبة للسلام.

العالم القادر الفاعل بمنظماته ولجانه الحقوقية يكذب ويغض الطرف، رغم أن بعض الإرهاب يحرقه، والعالم البسيط يعاني ويتحمل الفواجع، والغدر، فلا تعود تدري من يصنع السرطان فعلاً، ومن يحرك خلاياه المسرطنة، لأمكنة بعيدة يشتت بها الرقابة، ثم يعود للمقصود.. أعتى الدول وأكثرها تقدماً لم تعد تأمن الإرهاب.. وأكثر الدول شروراً تقترفه بين تجمعات شعبها، لإبعاد التهمة عنها وإثبات أنها مستهدفة، كما فعل الحرس الثوري الإيراني في العرض العسكري بالأهواز.

الإرهاب بدل سياسات العالم، من الوضوح إلى الخفاء، فمن لا يستطيع الرد مباشرة على أذية دولة عظمى، يغافلها بنقل الإرهاب إلى أراضيها، عبر مفهوم حصان طروادة.

التعاون الأمني بين الدول، يمكن أن يكون فاعلاً لبعض الوقت، وللإطاحة ببعض الجماعات الإرهابية المعلومة، ولكنه قد ينقلب إلى سلاح مضاد، بمجرد تقديم معلومات أمنية، لدولة غادرة، تتصنع محاربة الإرهاب، وهي ضالعة فيه كما في قطر.

ظروف بعض الشعوب المعيشية الصعبة، والحكم الجائر، والتعليم السيئ، والثقافة الأسطورية المعتلة، ستظل روافد لسرطانات الإرهاب، ولا يمكن وسط ما يحدث في الشرق من حروب وثورات، وجماعات مسلحة، وتهجير وقهر تحييد استخدامه للتعطيل والسيطرة.

انتشار الأسلحة الفتاكة، والمخدرات، ورغبة المكبوتين في الانفلات من النظم، والقوانين، بمساعدة مواقع التواصل، وقدرات التغرير وغسيل أدمغة الناشئة، واستغلال احباط وكآبة الشباب، تزيد من تفاقم واستمرارية هذا السرطان.

ورغم مليارات ما يدفع لمحاربة الإرهاب، وتسارع التقنيات، وحيطة أجهزة الأمن، إلا أن هذا السرطان الغادر سيستمر في الظهور هنا وهناك، ودون إنذار، وبأبشع الصور دموية.

ولا شك أن الإنسانية والسلام والحب، هم من يدفعون ثمن سرطانات الإرهاب.