&FINANCIAL TIMES

&&هبة صالح من القاهرة وجيمس بيكفورد&

عندما أعلنت دار كريستيز للمزادات، المملوكة للفرنسيين، في وقت سابق هذا الشهر أنها ستبيع توت عنخ آمون، التمثال المنحوت من الحجز الذي يعود إلى 3000 عام - أشهر فراعنة مصر القديمة - في مزاد في لندن في تموز (يوليو)، قرعت أجراس الإنذار في القاهرة.
سارعت وزارة الآثار المصرية إلى الإعلان عن سعيها لإيقاف البيع إلى أن تتحقق من مصدر تمثال الكوارتز البني، وهو الأول من نوعه الذي يتم طرحه في السوق منذ عام 1985. من المتوقع أن يباع التمثال المعروف بـ"رأس آمون" بما يتجاوز خمسة ملايين دولار، ويعد هذا ثمنا باهظا بالنسبة لسوق الآثار.
تصر دار كريستيز على أن عملية البيع سليمة وتقول إنها أبلغت السلطات المصرية بتفاصيل التمثال النصفي عندما نشرت كتالوجها. وقالت "تلتزم كريستيز التزاما صارما بالمعاهدات الثنائية والقوانين الدولية فيما يتعلق بالممتلكات الثقافية والإرث الثقافي". ولا يزال المزاد في الموعد المقرر حسب ما كان مخطط له.

لكن مبيعات الآثار تثير نزاعات متزايدة حول أصلها من قبل السلطات في بلدانها الأصلية، مثل مصر واليونان وتركيا. فهي تجادل بأنه على الرغم من القيود التي تفرضها الاتفاقيات الدولية وزيادة التدقيق من قبل المتاحف ودور المزادات، لا تزال القطع التي تم اقتناؤها بشكل غير قانوني تجد طريقها إلى سوق القطع الفنية.
في الأعوام الخمسة الماضية تمكنت مصر من استعادة نحو 1500 من قطع تم تهريبها بشكل غير قانوني من بلدان أوروبية وبلدان أخرى، إضافة إلى أكثر من 22 ألف عملة معدنية. في الآونة الأخيرة، تم نهب عديد من الآثار خلال الفوضى التي أعقبت ثورة 2011 التي أسقطت الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وتمت سرقة قطع من مؤسسات بما فيها متاحف في القاهرة وملاوي، في صعيد مصر. وقال شعبان عبد الجواد، رئيس الإدارة المسؤولة عن استعادة القطع الثقافية المهربة في وزارة الآثار "كانت هناك زيادة أيضا في عمليات التنقيب العشوائية وغير القانونية في المواقع التاريخية".
وتكمن جاذبية هذا الرأس الحجري في كونه نادرا، حتى بين القطع المصرية القديمة. فباستثناء الكنوز الشهيرة في قبره الأصلي، فإن تماثيل الفتى الملك المشؤوم توت عنخ آمون "توفي وعمره 19 سنة" موجودة بأعداد قليلة – جميعها تقريبا في رعاية المتاحف العالمية الكبيرة.
ودرجت القاهرة على السؤال بصورة منتظمة عن مصدر الآثار المصرية المعروضة للبيع في الأسواق الدولية وتطالب بإعادتها. وتوجد استثناءات للقطع المكتسبة التي تم اقتنائها بشكل قانوني قبل أن يحظر قانون عام 1983 تجارة الآثار وتصديرها.
وتشمل العناصر التي تم إرجاعها إلى مصر مخطوطة إسلامية من القرن الـ14 في بونهامز، دار مزادات في لندن، تم تسليمها العام الماضي. وفي عام 2016 أعادت الدار نفسها ثماني لوحات خشبية محفورة تمت سرقتها من مسجد في القاهرة.
وقال عبد الجواد "نتابع جميع دور المزادات الدولية ومواقع البيع المباشر على الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي".
وهو فخور تحديدا باستعادة تابوت مذهب لنجيمانخ، كاهن من أواخر العصر البطلمي (150 ـ 50 قبل الميلاد)، من متحف متروبوليتان في نيويورك. التابوت الذي اشتراه المتحف في عام 2017، كان من بين الكنوز التي نُهبت من مصر خلال الانهيار الأمني بعد الثورة. وقد أعاده المتحف في منتصف شباط (فبراير) مع تقديم اعتذار لمصر.
ماريا مينيانا، اختصاصية برامج في اليونسكو، المنظمة الثقافية التابعة للأمم المتحدة، تلاحظ أن من النادر الآن أن تقتني المتاحف والمؤسسات العامة قطعا ذات أصل غير واضح، مشيرة إلى اللوائح التي وضعتها الاتفاقيات الدولية المعتمدة في عامي 1970 و1995 والتي تمنع التصدير غير القانوني للقطع الثقافية.

مع ذلك، يصعب تتبع الآثار غير الموجودة في قوائم الجرد الوطنية أو قاعدة بيانات الإنتربول الخاصة بالقطع المسروقة. هذا هو الحال بالنسبة للعناصر التي تم التنقيب عنها بطريقة غير مشروعة في مناطق النزاع مثل سورية والعراق وليبيا، أو حتى في مصر – حيث لدى الباحثين عن الكنوز عادة قديمة للتنقيب عن الآثار.
وقالت "لا نرى أن عديدا من القطع المأخوذة من مناطق النزاع تدخل سوق القطع الفنية القانونية، لكن للأسف لا نعلم ما الذي يحدث في السوق السوداء". وأضافت "يبقي جامعو القطع الأثرية السريون، الذين ليس لديهم ضمير، العناصر التي تم شراؤها من السوق السوداء في منازلهم. هذا هو السبب في أن الإجراءات الاحترازية، مثل التشريعات الوطنية القوية والشرطة والجمارك المتمرستين، هي أمر في غاية الأهمية".
قال عبد الجواد إنه يود رؤية مزيد من البلدان تعتمد تشريعات كتلك التي سنتها ألمانيا في عام 2016. وهي تتطلب من أي شخص يبيع قطعا أثرية أن تكون لديه رخصة تصدير من بلد المنشأ والالتزام بالحرص الواجب للتحقق من أن القطع تم استيرادها والتنقيب عنها بطريقة قانونية.
لكن بعضهم يحذر من أن ازدياد الخلافات حول مبيعات الآثار القديمة يمكن أن يدفع التجارة أكثر إلى السوق الخاصة. قال لورانس ليبرمان، الشريك في مكتب تايلور ويسنج للمحاماة في لندن "من الأفضل تجنب التدقيق العام في المزادات الكبيرة. من الواضح أن سوق الأصول المطلوبة، مثل الآثار، ستكون موجودة دائما".

ويجادل آخرون بضرورة حظر بيع الآثار تماما. قالت مونيكا حنا، وهي عالمة آثار مصرية "يجب إبلاغ الغرب بشكل مستمر بأنها تجارة مماثلة لتجارة الألماس التي تمول الصراعات".
وذكرت أن العصابات في مصر تستعين بالأطفال للنزول إلى مناجم محفورة بطريقة غير قانونية. وفي عام 2017 أثبتت السلطات الإيطالية تقارير تفيد بأن داعش في ليبيا كانت تنهب المواقع الأثرية وتبيع التحف لجماعات إجرامية في جنوب إيطاليا مقابل الأسلحة.
وقالت حنا "إن هوس شراء القطع الأثرية، حتى القانونية منها، يغذي السوق غير القانونية. عندما يرى الناس المبالغ الضخمة التي يتم دفعها، فإنهم يعانون حمى الذهب، ويبحثون عن قطع لبيعها ويزورون وثائق الملكية. أعتقد أن تجارة الآثار ستنتهي قريبا عندما يدرك هواة جمع القطع الأثرية في الغرب مدى عدم أخلاقية هذا التصرف".