&FINANCIAL TIMES

&كولبي سميث

قبل أكثر من عام بقليل طالب مستثمرون وخبراء استراتيجيون بأن يتوقف ارتفاع الدولار الأمريكي عند ذروة معينة. منذ أن أشار الاحتياطي الفيدرالي هذا الشهر إلى استعداده لخفض أسعار الفائدة في وقت مبكر، ربما يكون خلال اجتماعه المقبل المقرر في تموز (يوليو)، ارتفعت الأصوات، التي تنادي بتلك الدعوات. لكن لأن صورة النمو العالمي تبدو باهتة مقابل صورة الولايات المتحدة، من السابق لأوانه إنهاء مسيرة الدولار الآن.

في منتصف حزيران (يونيو) جاي باول، انضم رئيس الاحتياطي الفيدرالي، إلى زملائه من محافظي البنوك المركزية في تقديم الحجة لمصلحة تخفيف السياسة النقدية. بعد أن وعد "باتخاذ ما يلزم" لدعم الاقتصاد الأمريكي و"استدامة التوسع" في مواجهة تباطؤ النمو العالمي والحرب التجارية الجارية بين الولايات المتحدة والصين، تراجعت عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى مستوى أدنى من 2 في المائة وانخفض الدولار.
منذ ذلك الحين واصل الدولار تراجعه إلى مستوى أقل مقابل العملات النظيرة، وعلى نطاق أوسع، مقارنة بالأسواق الناشئة، ما أعطى المراهنين على هبوطه شعورا بأن وقتهم قد حان أخيرا. بالنسبة لأولئك المستثمرين، المنطق الذي يكمن وراء السبب في أن الاحتياطي الفيدرالي الحمائمي يتسبب في إضعاف الدولار هو منطق بسيط ومباشر: السبب الرئيسي وراء قوة الدولار في عام 2018 هو أن البنك المركزي الأمريكي رفع أسعار الفائدة في الوقت، الذي توقف فيه البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان وسائر البنوك الأخرى في البلدان المتقدمة عن اتخاذ أي إجراء، أو واصلت سياسة التخفيف النقدي.
في حال بدأ الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة، فإن الفكرة هي أن الفارق في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم سيبدأ في التقلص. مع وصول سعر الفائدة المعياري إلى 2.5 في المائة، يكون أمام الاحتياطي الفيدرالي مجال أكبر لخفض الأسعار بشكل أكبر من البنوك النظيرة، التي وصلت أسعار الفائدة الرسمية فيها منذ فترة إلى مستوى الصفر أو دونه.
لكن، كما يقول كالفين تسي، خبير استراتيجي في العملات لدى سيتي جروب "ليس الاحتياطي الفيدرالي هو من يقرر إنهاء دورة الدولار". في الوقت الذي يغلب فيه على الدولار التراجع مباشرة بعد أول خطوة يتخذها الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، إلا أن البحوث، التي أجراها تسي توضح أنه غالبا ما يصبح أقوى في الأشهر التالية.

علاوة على ذلك، يرى بعضهم أن الجولة التالية من التخفيضات من الاحتياطي الفيدرالي ليست بداية لدورة تخفيف مطرد، بل هي بداية لمجموعة من الإجراءات الوقائية، التي تسمى "تخفيضات التأمين" الرامية إلى درء حصول تباطؤ اقتصادي أكثر ضررا. يعتقد ديباك بيوري، كبير الإداريين الاستثماريين في

قسم إدارة الثروات في دويتشه بانك، أننا سنشهد أول هذه التخفيضات الثلاثة في تموز (يوليو) لكن بحلول آذار (مارس) 2020 سيكون قد انتهى الاحتياطي الفيدرالي من ذلك.
نظرا لهذا المسار، يعتقد بيوري أن الدولار لا يزال قويا، مقارنة بعملات دول مجموعة العشر الأخرى، حتى وإن كان قد يتراجع إلى حد ما على المدى القصير.
ثمة نقطة أخرى تقف عائقا أمام هذا التراجع واسع النطاق، الذي يتوق إليه من يتوقعون تراجع العملة الأمريكية، هي حقيقة أن الاقتصاد الأمريكي في الوقت، الذي يتباطأ فيه يظل الاقتصاد الأفضل في العالم.
يشير زاك باندل، رئيس استراتيجية الصرف الأجنبي العالمي لدى جولدمان ساكس، إلى أن "التخفيضات التي يجريها الاحتياطي الفيدرالي في سياق التوقعات الاقتصادية العالمية السلبية ليست الوصفة المناسبة لإحداث انخفاض حاد في قيمة الدولار، مثلما أن الارتفاعات، التي يجريها الاحتياطي الفيدرالي في سياق الاقتصاد المزدهر ليست الوصفة المناسبة لرفع قيمة الدولار".
عقب التوسع بنسبة 3.1 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، من المتوقع أن يتسارع الدخل القومي الإجمالي في الولايات المتحدة بنسبة 1.5 في المائة خلال الربع الثاني، وفقا للاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا. ورغم بيانات الثقة الخفيفة أخيرا في المجال الاستهلاكي وقطاع التصنيع، إلا أن المقاييس الأخرى مثل مبيعات التجزئة ومعدل البطالة لا تزال متينة نسبيا.

في أماكن أخرى، يبدو النمو الأوروبي عليلا، إذ يتسم بانخفاض الإنتاج الصناعي والتوظيف، وقبل بضعة أسابيع فقط، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في الصين، مشيرا إلى مخاطر متزايدة بسبب الإجراءات الانتقامية المتعلقة بالرسوم الجمركية، التي تفرضها الولايات المتحدة. وإلى أن يتم خفض التصعيد الواضح على تلك الجبهة، لن يكون مسار تراجع الدولار واضحا بعد، بحسب إيفان براون، من "يو بي إس" لإدارة الأصول.
كل هذا يثير تساؤلا مهما بالنسبة لباندل، من جولدمان "إن لم تشتر الدولار، ما العملة التي ستشتريها إذن؟".
ارتفعت عملات الملاذ الأخرى، مثل الين الياباني والفرنك السويسري مقابل الدولار منذ أن أصبح الاحتياطي الفيدرالي أكثر حمائمية، لكن نظرا للارتباط الوثيق بين مصير الفرنك السويسري واقتصاد أوروبا، ربما يكون من الصعب حصول ارتفاع أكبر في قيمة الدولار.
ساشين جوبتا، الذي يرأس قسم إدارة المحافظ العالمية لدى بيمكو، يعد أن الين سيظهر باعتباره الفائز الواضح، جزئيا لأنه يبدو رخيصا، مقارنة بالعملات الأخرى.

يقول جوبتا إن هناك أيضا حجة يمكن تقديمها لمصلحة عملات الأسواق الناشئة، مثل البيزو المكسيكي والروبل الروسي، في مقابل الوون الكوري الجنوبي أو الدولار التايواني، التي هي أكثر تعرضا للتصعيد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
لكن إلى أن تشرق صورة النمو العالمي على نحو عجيب، أو يبدو الاقتصاد الأمريكي على وشك الدخول في طور الركود، فمن الممكن أن يتبين أن الدولار يتمتع بالمرونة.

& & &&