&فارس بن حزام&

سرعة الحراك في السودان، يقابلها بطء الحركة في الجزائر، على رغم تزامن انطلاق البلدين، من تصعيد الاحتجاجات عالياً إلى تنحية الرئيسين بمسافة زمنية بينهما لم تتجاوز تسعة أيام، وربما مرد ذلك إلى ذكاء ميّز عسكر الجزائر ومعارضة السودان، ولم يتوافر لدى نظيريهما.


فمنذ إزاحة الرئيس عبدالعزيز بو تفليقة عن الحكم في الجزائر قبل ثلاثة أشهر، تقدمت المعارضة خطوة واحدة فقط؛ أن أجبر نواب رئيسهم معاذ بوشارب على الاستقالة قبل أيام، وفي اليوم التالي نالت معارضة السودان كسباً جديداً، واتفقت مع المجلس العسكري على تشكيل الحكم.

في السودان ظهرت معارضة حقيقية، قادت الاحتجاجات وأدارت عملها بكفاءة وذكاء خبيث، بتطويع المتظاهرين لتحقيق مكاسبها، أما في الجزائر، خرج محتجون ولم تتشكل معارضة تقليدية، والمعنى هنا قيادة للشارع. في الأولى، التف خصوم النظام حول "تجمع المهنيين"، فتحولوا إلى قيادة مدنية حاورت المجلس العسكري، إنها قوة منظمة ومتماسكة، تشبه إلى حد ما "اتحاد الشغل" في تونس، الكل يسعى إلى كسب وده، وفي الثانية، ما زالت السلطة الجزائرية تنتظر جواباً من المعارضة لتوفير قيادات جادة للحوار. هذا العجز اللافت ربما يعود إلى طبيعة النظام الصلب، والممسك به عسكرياً طوال نصف قرن، ولم يفسح لتشكل أي نواة للمعارضة، بعكس حال السودان، إذ فيه حزب شيوعي رسمياً، وأظنه البلد العربي الوحيد بهذا السماح، وقد أتى بجعفر نميري رئيساً عام 1964، مثلما فعل "الإخوان" بتنصيبهم عمر البشير عام 1989.

وفي السودان، أصر الجيش على تولي الحكم؛ اعتقلوا الرئيس واختلفوا بينهم على قيادة البلاد، فزادوا من رصيد المعارضة، ومنحوها ذخيرة شعبية، أما في الجزائر، فأدار العسكر المشهد عن بُعد؛ أزاحوا الرئيس، وأشرفوا على العملية الانتقالية، ووضعوا إطارات محددة لتشكيل الجمهورية الجديدة، وكانت كلمات وزير الدفاع مَلزمة ترشد الجميع. وفي الحالتين، يحقق عسكر الجزائر ما يريدونه، ويمنعون الشارع من التعدي عليهم، فيما ينازع عسكر السودان للحفاظ على وجودهم السياسي، وقد حولتهم المعارضة إلى كيس ملاكمة للتمرين.

وأخطاء قيادة السودان تلك، دفعت الاتحاد الأفريقي والأوروبي وواشنطن إلى ملاحقتها ومتابعة سلوكها بدقة، وذلك ما لم يحدث مع الجزائر، الأقرب أوروبياً والأهم أميركياً والأثقل أفريقياً، وطبعاً هي صلابة المؤسسات في الجزائر، قياساً بما فعله الرئيس البشير في بلاده.

تخلص الجولة الثانية من الحراك العربي إلى نتيجة واضحة: في السودان معارضة تقود، وفي الجزائر جيش يشرف، ولذا تزامن البلدان في إبعاد قائديهما، في الثاني من نيسان (أبريل) أزيح الرئيس بو تفليقة، وفي الحادي عشر منه احتجز الرئيس البشير، وتسارعت الخطوات في السودان، وبقيت الحركة بطيئة جداً في الجزائر.