&FINANCIAL TIMES& & &

&رنا فوروهار&&

ربما ارتفعت الأسواق بسبب احتمالات توصل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى "صفقة" للتجارة مع الصين، غير أن عالم الشركات ليس مقتنعا بذلك.
هذه إحدى النقاط الرئيسة التي استخلصتها عقب عدة أيام قضيتها الأسبوع الماضي في قمة للرؤساء التنفيذيين العالميين.
لقد كانوا مشغولين بالتحضير لنظام عالمي جديد يعتقد كثيرون أنه سيتضمن مواجهة ليس بين دولتين فحسب، أي الولايات المتحدة والصين، بل بين ثلاثة أنظمة، الديمقراطية الليبرالية والأسواق الحرة، والرأسمالية الحكومية، والليبرالية السيبرانية.
أطلق على الثلاثي إجماع واشنطن وإجماع بكين وما سأطلق عليه إجماع زوكربيرج تيمنا بمؤسس "فيسبوك".
قادة الشركات يعرفون أن الإجماع الأول قد بات تحت التهديد، وأن معظم العالم يلوم الشركات الكبرى على نهايته أو اقتراب نهايته.

إنهم متفقون على أنه تجب المساعدة للتوصل إلى شكل أكثر شمولية من رأسمالية السوق الحرة، إذا كانوا يريدون لأسلوب حياتهم أن ينجو.
سمعت حديثا بشأن "الاستثمار في رأس المال البشري" و"إعطاء الأولوية للأسواق المستدامة" في الساعة الأولى من اجتماع ترعاه شركة آي تي كيرني، أكثر مما سمعت في أي حدث صاخب مثل هذا، حسبما أذكر. مع ذلك، من الصعب أن تأخذ الوعد الأخير على محمل الجد في مؤتمر عقد في منتجع فخم في إسبانيا، حيث كانت الحرارة القياسية مختلطة بشكل غير مريح، مع كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة حتما عن سفر المشاركين.
لا أقصد أن أكون صارمة في معاملة النخبة العالمية. المشاركون في القمة استثمروا ملايين الدولارات، وربما مليارات الدولارات، في الصحة العامة والتعليم وتغير المناخ، مثلما صاغها رئيس إحدى مجموعات السلع الاستهلاكية على نحو صحيح: "لا يمكن أن يكون لديك عمل صحي دون مجتمع صحي".
إن عديدا من المحادثات تركزت حول إدارة التأثير الاجتماعي لتعطل الوظائف المستندة إعلى التكنولوجيا.
بيد أنه لم يكن هناك إجماع حول كيفية إصلاح الرأسمالية، فضلا عن الديمقراطية الليبرالية. كان هناك أيضا شعور بالإحباط تجاه كل أصابع الاتهام الموجهة إلى الأعمال من طرف الساسة الذين يتطلعون إلى تسجيل نقاط شعبوية.
"لا يجب أن أبرر مساهمتي في المجتمع"، حسبما قال مسؤول تنفيذي في الاتحاد الأوروبي. مضيفا: "شركتي هي مساهمتي".
الرؤساء التنفيذيون اتفقوا على أن الوضع الاقتصادي العالمي لن يعود إلى حقبة الأسواق المفتوحة، التي سادت خلال تسعينيات القرن الماضي.
بل على العكس، فقد بدا أنهم يرون أن الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين هو بداية صدام حضارات سيستمر لعقود ويقسم العالم.

نموذج بكين الذي تديره الدولة كان موضع حسد وشك. عديد من الرؤساء التنفيذيين الغربيين عبروا عن التمسك بالإجماع الأول، متخذين موقفا مضادا لوجهة نظر الصين طويلة الأمد، على الرغم من الضغوط التي واجهوها بسبب تقارير الأرباح الفصلية، والضغط المتزايد من المساهمين الناشطين.
أما بعض التنفيذيين من الدول النامية فقد كانوا قلقين إزاء السعر الذي سيدفعونه مقابل الاعتماد على سياسات بكين التجارية.
كما ساد الانقسام في صفوف الرؤساء التنفيذيين من آسيا. بعضهم شعر أن حوكمة المراقبة القمعية المتزايدة في الصين ستكون هشة للغاية، بينما اعتقد آخرون أن برنامج الحزام والطريق للبنية التحتية، سيكون أساسا لنظام حميد وجديد تماما يستفيد منه الشرق والغرب، على حد سواء. الجميع كادوا أن يتفقوا على الحاجة إلى فهم أعمق للصين. مثلما قال أحد المشاركين، "نحن بحاجة إلى الانتقال من تفكير الشك الديكارتي إلى فضائل الكونفوشيوسية".
كما كانت هناك أقلية وازنة تراهن على أن الشركات وليست الدول هي التي ستقود النظام الجديد على وجه الخصوص، عمالقة المنصات التي تتمتع بثقل أكبر وقوة أكبر من معظم الدول. إن تلك الشركات العملاقة بوسعها أن تبدأ في الاستفادة من مزاياها بطرق تحاكي الحكومات، آخذة في الحسبان أن "مواطنيها" هم من جيل أصغر من المواطنين الرقميين، الذين فقدوا الثقة بالمؤسسات التقليدية.

طرح "فيسبوك" المقرر للعملة الرقمية: "ليبرا"، كان موضوعا ساخنا. أحد المشاركين استشهد بإحصائيات تبين أن الشباب يثقون بالعملات المشفرة أكثر من بورصات الأسهم التقليدية.
في الوقت نفسه، فإن بنك التسويات الدولية وآخرين مثل كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي والمرشحة لتكون الرئيس المقبل للبنك المركزي الأوروبي، يشعرون بالقلق إزاء تهديد التكنولوجيا المالية للنظام المالي العالمي "التقليدي" الراهن.
عدد قليل من الدهاة الرقميين المشاركين رأوا "ليبرا" باعتبارها مجرد خطوة أولى نحو مناطق لم تتمكن فيها الحكومات على الأقل في الغرب من إحداث التغيير.
يمكن تصور توفير "فيسبوك" يوفر التعليم عبر الإنترنت أو أن يصبح منصة توظيف لأعداد هائلة من العمال، في اقتصاد عالمي جديد قائم على الوظائف المرنة.
أحد المشاركين أشار إلى أن الحكومات الديمقراطية الليبرالية لا يمكنها، ببساطة، التحرك بسرعة كافية لمواكبة التكنولوجيا، وتساءل عما إذا كانت "منصات التكنولوجيا هي دول معاهدة وستفاليا الجديدة" (معاهدة ترتبط بنشأة الدولة القومية في أوروبا). في منتصف هذه الجلسة، مرر إلي الشخص الذي كان جالسا بجواري شريحة عرض بشأن "الجغرافيا السياسية للمنصات"، تظهر انهيارا إقليميا لحصة سوق الأسهم في المنصات التكنولوجية، وكانت على النحو التالي، 70 في المائة في الولايات المتحدة، و27 في المائة في آسيا، و3 في المائة في أوروبا. بالنظر إلى الأمر من هذه الزاوية، ربما لا يزال لدى الولايات المتحدة قوة أكبر مقارنة بالصين مما يعتقده المرء.

على أنه مثلما قال مشارك آخر، فإن "الدول تكون ذات صلة فقط إذا كان بإمكانها فرض ضرائب على الشركات".
بالطبع، ليس سهلا فرض ضريبة على المنصات. هذه إحدى القضايا التي يصارعها صناع السياسة العامة في جميع أنحاء العالم المتقدم. وهي تؤكد أيضا الصعود المندفع في قوة الشركات على مدار 40 عاما الماضية.
ومثلما أجاب أحد المشاركين عندما سألته عما إذا كان يعتقد أن شيريل ساندبرج، كبيرة موظفي العمليات في "فيسبوك"، ما زال بإمكانها الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية في يوم من الأيام، "لم ترى أنها قد تترشح لذلك؟ ألا يكفيها أنها تقود بالفعل شركة فيسبوك؟".