&علي قاسم

نظرة سريعة إلى البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليم، في معظم بلداننا العربية، تكفي لمعرفة كم هو سيء حالنا.

ماذا جنى اليمن من الحوثيين

"حان الوقت لكي تضع الحرب في اليمن أوزارها، وإنهاء حقبة الحوثيين (..) المملكة العربية السعودية لا تريد حربا مع إيران، سواء في اليمن أو في أي مكان آخر". هذا ما أكدته السعودية على لسان مندوبها لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي.

وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد مهدت الطريق، بعد أربعة أعوام من مشاركتها قوات التحالف العربي في اليمن، للانتقال من استراتيجية القوة العسكرية، إلى خطة “السلام أولا”.

وتشارك دول عربية أخرى السعودية والإمارات موقفهما، حيث عبرت عن قلقها إزاء الحرب بالوكالة التي تشنها إيران في اليمن وسوريا ولبنان ومناطق أخرى بالمنطقة.

تغيير أنظمة الحكم لم يعبد الطريق للاستقرار والازدهار، ولعبة الهيمنة التي تقودها إيران وتركيا، أوشكت على نهايتها، فكلا البلدين يواجه أزمات اقتصادية وعقوبات تهدده بالإفلاس.

واليوم يبدو “الربيع العربي”، الذي بدأ من تونس، واجتاح دولا عربية، وأطل إطلالة خجولة على دول أخرى، فاشلا إن نظرنا إليه عن بعد، حيث استثمرت قوى إسلامية في أحلام الشعوب العربية وطموحاتها، وسارعت لعرض بضاعتها رافعة شعار “الإسلام هو الحل”، لكن سرعان ما ثبتت هشاشة الشعار، وبدلا من تقديم الحلول، حلت الكوارث وحل الاقتتال.

سوريا تتقاسمها اليوم قوى خارجية تحاول تثبيت الأمر الواقع، وكذلك هو الحال في ليبيا واليمن. وتونس التي يصر العالم على أن يعتبرها تجربة ناجحة، ما زالت عرضة هي الأخرى للمخاطر.

الحراك الشعبي لم تقده القوى الإسلامية، بل تصرفت تلك القوى بانتهازية واضحة، وحاولت أن تستثمره للوصول إلى الحكم، مستغلة رغبة الشعوب العربية في تحسين أوضاعها.

بضعة أشهر كانت كافية لتفضح الكذبة، ويتضح جليا أن الإسلاميين لا يحملون أي مشروع حقيقي للتنمية وحل مشاكل المنطقة، بل على العكس هم عمقوا الحفرة وفشلوا في تقديم أي حلول.

حتى الغرب ظن لوهلة أن “الإسلام هو الحل”، وبناء على ذلك تصرف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وسانده قادة أوروبيون وعرب.

ونجحت النخب العربية، الثقافية والسياسية، في إضفاء بعد سياسي على التحركات الشعبية، لتبدو المطالب التي حركت الشارع، محصورة بحرية الرأي وصناديق الاقتراع.

التضليل الذي مارسته النخب حجب الأهداف الحقيقية التي تقف وراء الانفجار الشعبي، وحوّل الثورات إلى نزاع على الحكم، مغلف بشعارات عقائدية أيديولوجية حينا، وانتماءات طائفية وقبلية وعرقية حينا آخر، لتغرق هذه الدول في اقتتال داخلي، تدعمه قوى خارجية لديها أطماع في المنطقة، وعلى رأس تلك القوى إيران وتركيا وروسيا. وساهمت فيه بحسن نية، أو بسوء نوايا، دول أوروبية أخرى.

الطموحات السياسية هي التي مهدت للمواجهات العسكرية. إن لم نتمكن من اعتلاء كرسي الحكم عبر الصناديق، اعتليناه فوق الدبابات، حتى وإن كانت دبابات قوى خارجية معادية. هذا هو المنطق الذي سيّر الأطراف المتخاصمة.

رغم ذلك.. حمل المشروع الفاشل بذور التغيير، وشعلة النار التي ألهبت ثورة لم تنطفئ. وأول شيء أحرقته هو ورقة التوت التي دأبنا على ستر عيوبنا بها.

باحتراقها بانت العيوب. اجتماعيا، نحن نعيش علاقات تتحكم فيها مفاهيم جاهلية لا تنتمي إلى عصر التكنولوجيا إلا بالمظهر. واقتصاديا، أفضلنا يعيش على اقتصاد ريعي، ينتظر ما تخرج به الأرض، وما تهطل به السماء، وأكثرنا ينتظر المعونات أو هو غارق في الديون.

نظرة سريعة إلى البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليم، في معظم بلداننا العربية، تكفي لمعرفة كم هو سيء حالنا.

الأزمات الاقتصادية والاجتماعية هي المحرك الأساس للانفجار الاجتماعي، الذي شهدته الدول العربية، وتمثل في انخفاض مستوى المعيشة والتضخم، الذي انعكس على مستوى الدخل، والبطالة المتفشية، وفشل تلك الحكومات في تحقيق نسب نمو يمكن أن تساهم في حل المشاكل المستعصية.

في العالم اليوم دول فاشلة، وأخرى ناجحة. وفي كلا النموذجين معيار الفشل والنجاح لا علاقة له بنوع نظام الحكم.

بين الدول الناجحة دول ملكية، وأخرى إمبراطورية، ودكتاتورية، وجمهورية. وكذلك هو الحال بين الدول الفاشلة.

الدول العربية التي شهدت التحركات الاحتجاجية جميعها فاشل، فاشل بالمعنى الاقتصادي والتنموي والاجتماعي، وأي محاولة لإيجاد حل يتجاهل هذه الحقيقة محكوم بالفشل.

يجب أن تكون هناك إرادة لوقف الاقتتال والجنوح للسلم، والجلوس إلى طاول المفاوضات.

الإمارات والسعودية، ومعهما دول أخرى، امتلكت الشجاعة لاتخاذ قرار يمهد لوقف الاقتتال، داعية الدول العربية لخوض معركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، معلنة أن “للحرب وقت، وللسلم وقت”.

&