&أحمد المسلماني&&

&

الزعيم جواهر لال نهرو هو مؤسس الهند الحديثة.. ابنته هي الزعيمة أنديرا غاندي، وحفيده هو الزعيم راجيف غاندي. وقد حدَّد الثلاثة شخصية الدولة الهندية، كما صاغوا معًا ذلك الخليط المثير بين الحداثة والتراث.

كان نهرو هو أول زعيم لدولة الهند المستقلة، ويراه البعض أكثر من زعيم، وأنه ربما كان المخترع الحقيقي للدولة الهندية، وقد جاء ذلك العنوان الشهير لكتاب ساشي تارور «اختراع الهند.. قصة حياة جواهر لال نهرو» معبّراً عن ذلك التقدير الهائل.

أدركَ الزعيم نهرو أنّ معركة بناء الدولة لا يمكن أن تتمّ من دون النجاح في معركة بناء الصورة، وهنا انتبه نهرو للقوة الهائلة للولايات المتحدة الأمريكية عبْر «هوليوود» وما يجب أن تقوم به الهند عبر «بوليوود».

وينقل الكاتب محمد حسنين هيكل عن نهرو قوله عام 1958: «نحن محاصرون بين قوتيْن أمريكيتيْن: واحدة غامضة تستعمل للتطويع والإخضاع وهي المخابرات المركزية، والثانية براقّة تستخدم للغواية والإغراء وهي هوليوود، وإذا فازت الأولى أصبحت حريتنا مهدَّدة، وإذا فازت الثانية أصبحت هويتنا مهددة».

في عام 1913 أنتجت الهند أول فيلم صامت، وفي عام 1931 أنتجت أول فيلم ناطق، وقد أدى إيمان جواهر لال نهرو وعائلته من بعده بأهمية السينما إلى ذلك النجاح الكبير الذي باتت عليه السينما الهندية الآن.

إن ما أراده نهرو قبل عقود بات حقيقةً ماثلة، إذْ يصل إنتاج السينما الهندية إلى أكثر من ألف فيلم سنوياً، وتحصد منافذ التذاكر مليارات الدولارات سنوياً.

ولقد تمدَّد تأثير بوليوود إلى الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، وفي الصين تعرض الهند خمسة أفلام سنوياً في نحو أربعة آلاف دار عرض، وهو الحدّ الأقصى الذي تسمح به الصين، وفي اليابان نجحت العديد من الأعمال الهندية المترجمة وبات بعض نجوم بوليوود معروفين في اليابان.

لقد وصل تأثير السينما الهندية مدى جعلها مقصداً أساسياً لمحاولات تمرير الرسائل السياسية، وحين التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي عدداً من نجوم بوليوود وفي مقدمتهم «أميتاب باتشان» قالت إسرائيل إنها تريد تحقيق «التعاون الفكري» مع بوليوود، كما أنها تريد تقديم قضية القدس من المنظور الإسرائيلي عبْر السينما الهنديّة.

انتقد نجم بوليوود «شاروخان» لقاء نتنياهو مع أميتاب باتشان وزملائه، وقال إننا يجب أن نقدم الحقيقة وليس ما يريده الآخرون.

وهكذا سبقت الهند في ذلك الإدراك الكبير، واليوم بات الكلّ يدرك ما أدركته الهند.. ذلك أن جُلّ القضايا المعاصرة لا يمكن إدارتها من دون قوةٍ ناعمة، فاستخدام السلاح بات مكلفاً للغاية.. لقد حلّت القوة الناعمة محل القوة الصلبة، وحلّت الصورة محل الدبابة، وأصبح النجم نموذجاً جديداً للقيادة.

لقد وصلت السينما الهندية إلى مكانٍ غير مسبوق في الفعل والتوجيه، وبات كثيرون يطرقون أبوابها لأجل المشاركة في التمرير والتأثير، وقبل نصف قرن كانت الهند تشكو من هوليوود، واليوم يشكو الآخرون من بوليوود!