&فيصل العساف&

من الثابت نظاما، أن القرار الحكومي الوحيد القاضي بإغلاق المحال التجارية وقت الصلاة، منشأه اللائحة التنفيذية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الصادرة في تاريخ 24-12-1407، الموافق 20 آب (أغسطس) 1987، بموجب نظام الهيئة الصادر بالمرسوم الملكي رقم 37 وتاريخ 26-10-1400هـ، الموافق 5 أيلول (سبتمبر) 1980، والذي نص في المادة التاسعة عشرة منه على ما يلي: "يُصدر الرئيس العام للهيئات، اللوائح التنفيذية لهذا النظام بالاتفاق مع وزير الداخلية"، وهذا من شأنه تبرئة الهيئة من تهمة حمل الناس على رأيها هي، والتي يرميها البعض بها، إذ إن القرار آنف الذكر ما كان له أن يرى النور إلا بـ "الاتفاق" مع وزارة الداخلية، ممثلة بالوزير.


في جانب آخر، يمكن أن نطرح السؤال التالي: قبل إقرار لائحة الهيئة التنفيذية، هل كانت المحال التجارية تُؤمر بالإغلاق؟ الجواب هو نعم، فذلك كان شائعا منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله، وفي ذلك الزمان كان الحث على أداء الصلاة في وقتها من المسلمات، ويروى في هذا السياق أن المحتسبين كانوا يعاقبون من يتكرر تخلفه عن صلاة الفجر بأخذه إلى بئر قريب، ومن ثم يقوم يسكبون الماء على رأسه، أما المتكاسلون عن التبكير إلى عموم الصلوات، فإن أسماءهم كانت تُتلى على مسمع ومرأى الحاضرين، مع كثير من اللوم والتوبيخ! سواء اتفقت مع ذلك أم كنت من المخالفين، فإنه كان السائد "عرفاً"، وأقول عرفاً تحرجاً من نسبة تلك "الاجتهادات" إلى الشرع، إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء الراشدين من بعده، مثلها أو قريب منها، وهي وإن كان الهدف منها ساميا، وهو أطر الناس في بوتقة التدين، إلا أن في اعتبارها تدخّلاً غير محمود في العلاقة ما بين العبد وربه وجاهة مقبولة، ويمكن القول صراحة إن ضررها أكبر من نفعها، من جهة تقويضها لمقاصد الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة إلى سبيل الله، بخاصة أنه يصعب -لدى الكثيرين- فك الارتباط ما بين الدين والقائمين على تطبيق تلك الآراء الفقهية، ما يجعل التنفير من الإسلام أقرب من تحقق تلك النوايا التي يحسب أصحابها أنها حسنة.

في الواقع، يعجز المؤيدون لإغلاق المتاجر أثناء الصلوات عن الإتيان بدليل "عملي" يدعم توجههم، سوى البناء على رأي الحنابلة وبعض الأحناف، القاضي بوجوب الصلاة في الجماعة، الأمر الذي ينقضه المالكية وباقي الحنفية إذ يرونها سنة مؤكدة، والشوافع الذين يرون فرض كفايتها، ولكلٍّ أدلته المعتبرة التي لسنا في صدد مناقشتها، فما يهمنا هنا هو التأكيد على أن المسألة خلافية، وأن للحاكم -الذي تجب طاعته في غير معصية الخالق- أن يرفع الخلاف حولها بترجيح ما يراه صوابا، ولا يُتخيّل أنه لو رجّح ولي الأمر مذهب المالكية مثلا، وألزم به الرعية، أن يقال بكفره أو يُحكم بعصيانه لله.

أخيرا، طُلب من الملك سعود أن تتوقف السيارات عن السير في الشوارع أثناء الصلاة! والسؤال: لو وافق الملك، هل كان البعض سيَعتبر توقفها من اللوازم اليوم؟ وبناء عليه، هل سيُعتبر المطالبون بالإذن بتحركها "هُداماً" للدين "دعاة" إلى باب جهنم؟