&عواجي النعمي

اعتلى ذلك الشيح منبره، فحمد الله وأثنى عليه، ثم حلف بالله ثلاثا أنه يرى الخلافة رأي العين، وأنها قادمة، كيف لا وهاهم جنود الخلافة قد مكّن الله لهم الحكم في مصر وتونس، بعد ربيع عربي دامٍ، تم تمويله من مثيري الفوضى الخلّاقة.

أعلنوا نفير الجهاد إلى سورية، فقتلوا وشردوا ودمّروا وأذعنوا للخليفة السلطان الذي كان يمنّي نفسه باليوم الموعود لعودة خلافة أجداده، ومبايعة المسلمين "الإخوان" له على السمع والطاعة.

غرّد شيخ آخر مع ذلك الربيع الدامي، بأنه طوفان سيجتث الحكام، ولن يكون هناك نُوحٌ لإنقاذ أحد!، وانبرى بقية الإخوان لتمجيد الخليفة القادم، فهاهو يقبّل قدمي أمه، وهاهو يصلي في محرابه، وهاهو يمرّ ليلا متنكرا في ثياب رثّة فيقضي حوائج المحتاجين، ويتفقّد أحوال الرعية. وكلنا سمعنا عن قصة ذلك الرجل الذي كان على جسر إسطنبول يريد الانتحار، فلما رأى الخليفة وجنده يسألون عن حاله، ولماذا يريد الانتحار، بكى ذلك الرجل، وقال: الآن نسمع ونطيع، ولا ندري كيف علم الخليفة -أيّده الله- بانتحار ذلك الرجل؟!، وكيف حضرت كاميرات التصوير لهذا الحدث؟!.

وفي المقابل، كان مُنظّرو الخلافة من شتى البقاع يجتمعون في أرض الخلافة والخليفة، فيأسرون الناس بمعسول كلامهم، ويبيعون الأوهام لأمة تعبت من الانكسارات والحسرات، لقد كانوا يروّجون أن الخليفة المنتظر هو من سينقل أمة الإسلام، من أمة هامشية إلى أمة عظيمة، وبدؤوا يتحدثون عن مخاوف المعارضين من زلزال الخلافة، وإن المعارضين للخلافة ليسوا سوى مجموعة من الأنظمة العميلة والفاسدة.

ولما كان الخليفة قد أجمع أمره لتولي أمر المسلمين، وكان طوفان الإخوان يكتسح الشعوب والأمم، ويتساقط الحكام هنا وهناك، قيّض الله لهذه الأمة من أنقذها من هذا الطوفان الدامي، وأعاد الأمور إلى نصابها، وأدخل شياطين التنظير إلى جحورهم، وتبخر حلم الخلافة بين ليلة وضحاها، فاستشاط الخليفة غضبا، وغضب معه الإخوان والأتباع، وشنوا حربا قذرة استخدموا فيها كل أنواع الفجور، ولكن لا عتبى، فالصراخ على قدر الألم.

كان أول السقوط المدوي لأحلام الخلافة في أرض الكنانة، عندما خرج الرئيس السيسي في مجموعة من أحرار مصر، وبمباركة من الشرفاء العرب، فاستأصلوا الفتنة وقضوا على مثيريها، ثم تحررت تونس من قبضتهم التي لم تدم طويلا، وسقط مشروع الجهاد والنفير، ولم يبق منه سوى طبول تُقرع، وأصوات تصرخ في «جزيرة» لا يكاد يتجاوز صراخهم سقف حناجرهم.

لقد أثبتت جماعة الإخوان أن لديها قدرة استثنائية على إشاعة الخراب والدمار، واستغلال البسطاء وتأليب مشاعرهم، والآن -وبعد مرور سنوات من سقوط حلم الخلافة وخسارة رهانات الخليفة في مصر وتونس وليبيا والعراق وفلسطين- نجد أن الخطاب السياسي للخليفة العثماني أصبح أكثر حدة تجاه العرب عموما، والخليج خصوصا. الخليج الذي وقف بشدة أمام مشروع «العثمانية الجديدة».
&