&علي الخشيبان

&العلاقات السعودية - الأميركية لا تخضع للمسار الإعلامي الذي تنتهجه الإدارة الأميركية ممثلة في شخص الرئيس ترمب مع كل الدول، فخلال سبعة عقود مضت أثبتت السعودية وأميركا أن محطات الالتقاء بينهما أكثر من غيرها، ولقد أثبت التاريخ أن أميركا لا تستطيع أن تضع ثقتها ببلد كما تضعها في علاقة تاريخية تجمعها بالسعودية..

لا يمكن أن نتحدث عن قواعد العلاقة التاريخية بين السعودية وأميركا ومنطلقاتها دون الحديث عن الملك عبدالعزيز - رحمه الله –، وعن ذلك اللقاء الشهير الذي جمعه بالرئيس الأميركي روزفلت عام 1945، أربعة وسبعون عاما مضت على ذلك اللقاء بما مرت به تلك العلاقات بكثير من المستويات السياسية تراوحت بين الصعود والانخفاض.

المرحلة الحالية تتميز بعلاقات تأصيلية لمرحلة تاريخية قديمة في العلاقات السعودية - الأميركية؛ حيث انعكس ذلك من خلال مسار منطقي، حيث بدأ الرئيس الأميركي ترمب ولايته بزيارة السعودية أولا كأول دولة يزورها بعد توليه الرئاسة، خاصة أن انخفاضا ملحوظا شهدته العلاقات السعودية - الأميركية في عهد الرئيس السابق أوباما.

عبر التاريخ ثبت قطعيا أن إحياء العلاقة بين هذين البلدين مطلب أساس، فأميركا عبر الزمن تؤمن بأن السعودية حليف أساس لها، وهي المقاربة السياسية الوحيدة التي ظلت ثابتة مع كل المؤسسات السياسية الأميركية، ومع كل سكان البيت الأبيض من رؤساء أميركا عبر سبعة عقود مضت، فالبلدان يتشاركان مصالح في مجالات سياسية وأمنية واقتصادية، ولعبت السعودية في هذا الإطار دورا مقنعا لأميركا والعالم؛ كونها دولة رائدة في المنطقة، وتتمتع بمكانة جعلتها فاعلة في المنطقة سياسيا ومؤثرة دوليا.

خلال الأسبوع الماضي، قالت وكالة الأنباء السعودية إن خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله- وافق على استقبال قوات أميركية لتعزيز التعاون المشترك بين البلدين، وشرح مصدر في وزارة الدافاع هذه الخطوة بقوله إنه "انطلاقا من التعاون المشترك بين المملكة والولايات المتحدة، ورغبتهما في تعزيز كل ما من شأنه المحافظة على أمن المنطقة واستقرارها، فقد صدرت موافقة العاهل السعودي القائد الأعلى للقوات العسكرية كافة، على استقبال المملكة قوات أميركية لرفع مستوى العمل المشترك في الدفاع عن أمن المنطقة واستقرارها وضمان السلم فيها"..

السعودية هي البلد الأهم بين دول الشرق الأوسط، وهي تختلف عن غيرها من الدول، فدول العالم القوية تتعامل معها وفق معطيات محددة، فأميركا وهي حليف استراتيجي للسعودية لديها مسارات واضحة في تبني آليات علاقاتها الدولية، فهناك دول شريكة بصورة كاملة لها في المنطقة، وهناك دول لا ترتقي إلى هذا المستوى، سوى أنها دول يمكن استخدامها كممرات أو مراكز للقوت الأميركية، من هذا المنطلق تدرك أميركا أن السعودية البلد الأهم في الشرق الأوسط كشريك استراتيجي فعلي؛ كونها ذات دور اقتصادي مؤثر عالميا كدولة مصدرة للنفط، كما أن السعودية تتمتع بهيبتها الدينية بوجود المقدسات الإسلامية، ما جعلها قائدة العالم الإسلامي، كما أنها تحتل درجة عالية من الموثوقية في أميركا على جميع المستويات السياسية والاجتماعية.

أميركا تدرك أن تعاونها مع السعودية كشريك رئيس يشكل جزءا مهما في علاقاتها الاستراتيجية في المنطقة، لهذا السبب لا يمكن لأميركا أن تتجاوز المخاوف الأمنية السعودية على نفسها والمنطقة؛ لأن السعودية وعبر التاريخ كانت وما زالت تتصرف بشكل برجماتي عطفا على مكانتها سياسيا واقتصاديا وإسلاميا، ولعل مرحلة الرئيس أوباما أثبتت كثيرا من ذلك.. السعودية تاريخيا ظلت ترحب بالتعاون المتجدد والعودة إلى الأسس، من خلال تعاون بناء ومطلوب، هدفه تعزيز الأمن في المنطقة، إضافة إلى إيمان مطلق من دول العالم وعلى رأسها أميركا بأن الدور السعودي في المنطقة هو دور الدولة الكبرى، التي تتصرف وفق هذه المعطيات.

يبدو واضحا أن الإدارة الحالية في أميركا ومؤسساتها الفاعلة، تدرك أنه يتوجب عليها العودة إلى الأسس لتجاوز مرحلة سياسية سابقة مرت بها أميركا عندما حاولت أكثر من إدارة أميركية أن تغير من قواعد تلك التحالفات الاستراتيجية بين أميركا وأصدقائها التقليديين، أميركا بحاجة اليوم إلى حلفائها؛ كونهم الأكثر فهما لقواعد المنطقة وتعقيداتها، فالمنطقة لا يمكن فهمها إلا من خلال دولها الكبرى والمؤثرة فيها، كما تدرك أميركا أن الخيارات السياسية الدولية أصبحت أكثر من سابقها، ومؤشرات تنازع القوة ترسل إشارات واضحة إلى جميع دول العالم.

العلاقات السعودية - الأميركية لا تخضع للمسار الإعلامي الذي تنتهجه الإدارة الأميركية ممثلة في شخص الرئيس ترمب مع كل الدول، فخلال سبعة عقود مضت أثبتت السعودية وأميركا أن محطات الالتقاء بينهما أكثر من غيرها، ولقد أثبت التاريخ أن أميركا لا تستطيع أن تضع ثقتها ببلد كما تضعها في علاقة تاريخية تجمعها بالسعودية، التي تتصرف مع أميركا كحليف استراتيجي تاريخي، تجمعها به مصالح مشتركة ذات عائد مشترك.