& عيسى الغيث

كتبتُ قبل سنوات مقالاً بعنوان (الاستبداد الديني أولاً)، وتتجدد الحاجة لتكراره ما بقي هذا التحكم مهما قلّ أثره؛ لأن التجديد الديني لا يمكن أن ينمو في ظل مقاومة تصادر التفكير والاجتهاد وتكافح المفكرين والمجتهدين.

وهذا الاستبداد أخطر من الاستبداد الدنيوي؛ لكونه هو الذي يقف في طريق كثير من الحقوق الوطنية والمدنية والشخصية بزعم أنها حرام ومنكر وتغريب، ودون مراعاة للآراء الفقهية الأخرى التي من حقها أن تظهر في الساحة وتقدم خطابها وتدلل عليه، وتناقش خطاب الآخر الذي يدعو بل يمارس المصادرة للحقوق الفكرية والمدنية.

والإمام الشاطبي سبقنا بقوله إن «المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى درجة الانحلال، والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة، فمقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين، خرج عن قصد الشارع، ولذلك كان من خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين، فإن الخروج إلى الأطراف خارج عن العدل، ولا تقوم به مصلحة الخلق، أما طرف التشديد فإنه مهلكة وأما طرف الانحلال فكذلك أيضاً؛ لأن المستفتي إذا ذهب به مذهب العنت والحرج بغّض إليه الدين، وأدى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة، وهو مشاهد».
&