&أحمد المسلماني&&&

كانت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر تقول: «الإعلام هو أوكسجين الإرهاب».. لقد تطورت قوانين وتشريعات عديدة تدين الإرهاب لكن لم تتطور تشريعات دولية كافية تدين أوكسجين الإرهاب، حيث يمكن للمتطرفين أن يرتعوا كما شاؤوا، ويمكن لإعلامهم أن يتمدَّد كيفما أراد، ويمكن لعناصرهم أن تنتقل حيثما أرادت.. من دون أن يكون ذلك كله مُداناً من الجهة القانونية.

إنّ خطاب الإرهاب يمثِّل جريمة، ولكن خطاب الكراهية لا يمثِّل جريمة، والقانون الأمريكي - على سبيل المثال - لا يعاقب على خطاب الكراهية إلّا إذا كان موجهاً ضد الساميّة.

يعتبر معظم العالم خطاب التطرف غير مجرَّم، ذلك أنّه يدخل في عِداد حرية الرأي والمعتقد، وحين صكَّ فريد زكريا مصطلح «صناعة الكراهية» كان يقصد كراهية بعض المجتمعات لأمريكا، وليس كراهية الإنسان للإنسان.

إن صناعة الكراهية من قبل المتطرفين لا يمكن اعتبارها واقعة ضمن حرية الرأي دون تمحيص وتدقيق، ذلك أن المتطرفين الإسلاميين إنما يمثلون سلاح الجوّ الذي يمهد ميدان المعركة لمشاة الإرهابيين.

الفتاوي التي يُصدِرها المتطرفون، والآراء التي يلوكها المتشددون لا تقف عند حدود الرأي والنظرية، إذْ سرعان ما تتحوّل الفتوى إلى دماء.. فلا تكفير من دون قتل، ولا حكم بالردّة من دون قتال.

إن الأمر ليس خلافاً بشأن تاريخ الإغريق، أو اتجاهات البحث في علم الرياضيات، كما أنها ليست مبارزات ذهنية أو تمارين عقلية.. إنها أحكام جنائية يتبعها سيل الدم من دون انقطاع.

لا يدرك كثيرون أن «التكفير» ليس رأياً بل هو حكم وقرار، ذلك أن التكفير في عقيدة هؤلاء يوجب القتل، وأن الحكم بالردة أو الخروج من الدين هو في حقيقة الأمر ليس وجهة نظر.. بل هو حكم بالإعدام.

لقد تمدَّد ذلك الأوكسجين الذي تحدثت عنه السيدة ليصبح الإعلام والإعلام الجديد معاً، وقد كانت تعني الصحافة والتليفزيون، واليوم توسَّع الأمر كثيراً عبر إمبراطورية الإنترنت وإعصار وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا يزال العالم من دون حسمٍ في توصيف «الأوكسجين الجديد»، ويحتاج إلى إعادة دراسة ذلك الأوكسجين، وما يوفرّه من ملاذٍ آمن لنصوص لا نهائية من الكراهية والتطرف.. إن ذلك الأوكسجين هو ما باتَ يحرق شعوباً وأفراداً في كل مكان، ومن غير الحكمة غضّ النظر عنه واعتباره - بالجملة – مساحة جديدة في فضاءات الرأي.

إن الجماعات الإرهابية كافّة قد تأسست داخل هذه المساحة، وعاشتْ ونمتْ بفضل ذلك الأوكسجين، ولا يوجد إرهاب من دون أن يسبقه تطرف، كما أنّه لا يوجد تطرف من دون أن يؤدي إلى إرهاب.. إنها معادلة واحدة، هما وجهان لجوهرٍ واحد، وكل وجهٍ يغذي الآخر ويُبقي عليه، ومن غير الحكمة أن تنصّب مواجهة الإرهاب على الفعل من دون الفكر، أو يقف المواجهون عند مصبّ النهر من دون الوقوف عند منبعه، وإذا كان من حلٍّ شامل لكارثة الإرهاب فلا بد من قطع خطوط الأوكسجين.