&محمد زاهد غول&&

&

ليس النجاح الديمقراطي أن يؤسس شخص ما حزباً سياسياً، وأن يخوض به الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية ويفوز فيها فقط، وإنما أن يجعل من أهدافه رفع مستوى الحياة السياسية التشاركية في الوطن كله، وأن يتعاون مع كل الأحزاب في البلاد.

إن الحياة السياسية الحديثة ينبغي أن تكون بكل المقاييس والمعايير ديمقراطية في الدول المعاصرة، لا أن تكون محصورة على نشاط حزب واحد أوحد، وإن من أسباب تراجعها أن يستأثر حزب بها حتى وإن كان ديمقراطياً، لأن استمرار احتكاره للسلطة والممارسة السياسية لأكثر من دورتين انتخابيتين يؤدي إلى نوع من الركود السياسي، وقد يعبر عن فقر وعقم في ظهور وبروز سياسيين أقوياء تمكنهم قيادة البلاد وريادة الهرم السياسي.

ولا خلاف في أن تركيا في العقدين الأخيرين قد مرت بالمرحلتين المذكورتين، فقد شهدت في العقد الأول من هذا القرن نجاحاً سياسياً واقتصادياً وانفتاحاً دولياً كبيراً، ولكنها أخذت في السنوات الأخيرة تُكرر صورة نمطية واحدة من الطبق السياسي ذاته والوجوه ذاتها معاً، ومع ظهور رغبة شعبية في المطالبة بالتجديد، كان لزاماً أن تظهر رغبة موازية لرؤية جيل جديد من السياسيين يتصدرون المشهد من خارج محيط الحزب الحاكم، ولكن العدالة والتنمية ينظر إلى ذلك بكراهية وريبة ورفض، سواء أكان السياسيون الجدد من داخل الحزب أو من خارجه.

إن تعليق رئيس الحزب الحاكم على تأسيس أحزاب جديدة بقوله: «إن هذه الأحزاب مصيرها الزوال كالأحزاب الأخرى التي ظهرت سابقاً»، يحمل في طياته وبين جنباته قراءة سلبية جداً لمستقبل الحياة السياسية في تركيا، لأن القيادات التي يهمزها بقوله هم رفاق الرئيس رجب طيب أردوغان السابقون.

إن هؤلاء القادة ومواقفهم السياسية معروفة للشعب التركي، وبالتأكيد فإنهم قد تحاوروا مع أردوغان حولها، قبل أن يعرضوها علانية على الشعب، وإن الخطورة الكبرى هي أن يتم دفع شباب الأحزاب الموجودة والجديدة إلى عداء لا مبرر له، لأن من حق كل مواطن تركي أن يُقدِم على تأسيس حزب جديد أو الانتماء إليه، أو الانتقال من حزب إلى آخر، فالعمل الحزبي عمل سياسي وليس عملاً أيديولوجياً ولا قومياً، بل يقوم في جوهره على تقديم الأفضل للوطن، وهذا لن يتحقق إلا بتساوي وتكافؤ الفرص السياسية القانونية، والسماح لمن وصل إلى كرسي السلطة بأن ينفذ مشاريعه بكل حرية دون عرقلة جهوده.

وفي النهاية فإن القرار السيد للشعب التركي وحده، ومن خلال صناديق الاقتراع الديمقراطية.