&زياد الدريس&

في اليوم التالي من وفاة الصديق الكبير عبدالرحمن الشبيلي يرحمه الله، كنت أبحث عن اسم شخص في قائمة هاتفي الجوال، فظهر أمامي اسم الراحل ضمن قائمة الأسماء. توقفتُ قليلاً أمام هيبة الغياب/الحاضر، ثم قلت في نفسي: هل أحذفه؟ ووجدت أن هذا السؤال يأتيني متكرراً مع وفاة كل قريب أو صديق، لكني لا أفعل. لم أفعل ذلك أبداً مع كل الذين رحلوا، يرحمهم الله.


لم أدفن أيّ رقمٍ مات عندي، منذ ولادة الجوال إلى وفاة آخر الأصدقاء، حتى أصبح جوالي مكتظاً بأسماء موتى!

احترتُ، هل أمسح أصدقائي الموتى من (ذاكرة) جوالي أم أبقيهم؟

حاولت أن أفلسف المسألة، عبر أسئلة ألوكها في ذهني: هل يصحّ وصف الصديق بأنه (سابق)، أم أن هذا الوصف ينطبق فقط على الزميل؟

علاقة الصداقة تشبه صلة القرابة. هل يمكن أن يقول الشخص عن أخيه المتوفَّى: فلان الذي كان أخي قبل أن يموت؟!

اكتشفت أنه يمكنني استخدام تعبير: "كان صديقي" مع شخصٍ ما إذا ارتكب أحدنا خطأ بحق الآخر تسبّب في خصومة ثم قطيعة، لكن لا يصح أن أقول عن شخصٍ ما إنه: كان صديقي، لأنه "ارتكب" الموت وتركني!

وانتقلتُ من هواجس الفلسفة إلى رقائق التأمل، فقد باتت تتقلص قائمة الأحياء في جوالي ويزداد الموتى فيه، سنةً بعد سنة!

حتماً، إن أسماء الوفيّات في قائمة جوالي الآن أكثر بكثير عنها في جوال ابني، ولو كان أبي يحمل معه جوالاً لكانت معظم الأسماء فيه من الموتى. أي أنه كلما تقدّم بنا العمر تتحول ذاكرتنا من (ذاكرة حيّة) إلى ذاكرة مَوَات.

وفي هذا العصر الرقمي السريع، الذي نلهث فيه، قد لا نفطن لهذه التحولات الوجودية، لكن لحسن الحظ أنه حتى الوسائل العصرية المتقدمة ما زالت قادرة على توفير (الموعظة) بين جنباتها.

قلت في نفسي: لن أحذف الأسماء الراحلة من جوالي، لكني سأضع أمام كل ميت الرمز (م)، حتى أقوم في كل حين بإدخال الرمز لأرى كيف توسّعت القائمة، لكني أحسست أن هذه موعظة خشنة ستميتني قبل الموت!