عبدالعزيز المقالح

كنت في السابعة عشرة من عمري عندما ذهبت لأداء فريضة الحج برفقة والدي، وبهرنا مشهد الحجيج، والحشد المتنوع اللغات، والقوميات، والأجناس، من الأبيض، إلى الأصفر، إلى الأسود، والأسمر، واكتشفت في ذلك الوقت المبكر الدور المهم لهذه الفريضة الروحية التي تجمع هذا الحشد العظيم من المسلمين القادمين من أنحاء العالم إلى هذه البقاع المقدسة، وما زالت حتى هذه اللحظة أعتقد أن في مقدور هذا المؤتمر العالمي الذي يتكرر كل عام، أن يجمع مشاعر المسلمين، ويوحد صفوفهم ضد أعدائهم، ويفتح أمامهم طريقاً واسعاً وكريماً إلى بناء المستقبل المنشود، ليس لهم وحدهم فقط، وإنما للبشرية جمعاء.
ومن المؤسف أن التيارات المتطرفة الطائفية تكاد تلغي جوهر هذه الحقيقة الروحية، وتطمس معالمها، وتعطي للآخرين صورة غير صحيحة عن الإسلام ومبادئه السمحاء التي توحد كل هذه الأجناس، وتجعل منهم أسرة واحدة.
وما يبعث على الأمل أن هذا المؤتمر العالمي في الأراضي المقدسة يتجدد كل عام،

ويعطي فرصة لمراجعة الحال والوصول إلى المتغيرات المطلوبة والهادفة إلى إزالة كل أشكال الجفوة والتنافر القائم بين أبناء العقيدة الواحدة. ويكفي ما يعانيه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها من تفتت وانقسام، ومن خلافات غير موضوعية، ولا أساس لمنطلقاتها الخاطئة. وفي كل عام يتجدد هذا الأمل، وتقترب هذه الصورة المرتجاة، ويكون من المستحيل على أعداء هذه الأمة أن ينفذوا إلى صفوف أبناء عقيدة تجسدت فيها معالم الأخوة، والمحبة، والسلام. وإذا وعت الأنظمة الحاكمة هذه الحقائق فسيكون في مقدورها أن تفيد من هذا المؤتمر السنوي العالمي الإيماني في إزالة الخلافات المحدودة والقائمة بين هذا النظام الإسلامي، وذاك، وأن تحد من رغبة بعض الأنظمة الإقليمية ذات الاتجاه التوسعي الذي يضاعف من متاعب الأمة، ويدخل أبناءها في العديد من المشكلات بلا مبرر، أو هدف واضح.


لقد مر وقت طويل منذ وعيت هذا المشهد العظيم، لكنه لا يزال يوحي إلي أن أمة يتاح لها مثل هذه اللقاءات العالمية قادرة على صنع مستقبلها، وتوحيد إرادتها، والخروج من دائرة التمزق الراهن، وما يصنعه من أزمات على المستويين السياسي، والاقتصادي، ويجعل منها قوة دولية ذات تأثير على كل المستويات. وكل هذا يتوقف - كما سبقت الإشارة- على الأنظمة الإسلامية التي لم تشعر حتى الآن بما لها من أهمية، وحضور في هذه المعمورة القائمة على التنافس، والصراعات الأبدية.

&