حمود أبو طالب

ربما كانت أحداث السودان الامتحان الأخير والعسير لإمكانية تحقيق تغيير سلمي في بلد عربي بعد تجربة الربيع العربي التي انتهت في أكثر من دولة إلى فوضى وخراب وتشرذم، كانت الأيدي على القلوب لأن السودان بعد ثلاثين عاماً من نظام حكم سيئ كان مهيأً للسقوط في دوامة خطرة تؤدي إلى نتائج ربما أسوأ مما حدث في الدول الأخرى، لكن هذا البلد المتعب حد الإنهاك فاجأ الجميع بنهاية مبهجة وسريعة أسعدت كل محبيه، نهاية جديرة بالتأمل في بعض أسبابها.

كانت كل الأطراف منحازة للسودان وطن الجميع، هذه العقيدة الوطنية الراسخة منعت محاولات اختراق الثورة من أي طرف خارجي أو داخلي لتفتيتها واختطافها أو تحويلها إلى صراع دموي يسوغ التدويل المؤدي إلى ما هو أسوأ. كان الشعب ممثلاً بقوى الحرية والتغيير راقياً بسلميته رائعاً بأدائه السياسي ومنطقياً في مطالبه العادلة، وكانت المؤسسة العسكرية عاقلة ورزينة ووطنية عندما انحازت للشعب ولم تستفزها بعض المصادمات والتصعيد وحدة المواجهة في بعض الأوقات. والشخصيات السياسية السودانية المخضرمة لم تنتهز الأوضاع لتصفية الحسابات أو القفز على أمواج الثورة لتصدر الواجهة، بل ساندت الشباب وتضامنت مع الجيل الجديد الذي يسعى إلى وطن أفضل في ظل حكم مدني يحقق العدالة والمساواة لكل السودانيين.

بالإضافة إلى ذلك، كان السودان محظوظاً بوقوف الدول المحبة والمخلصة له التي دعمته اقتصادياً في ظروف حرجة، وكذلك بالأداء النزيه والبارع للوسطاء بين طرفي الحوار الذين قطعوا الطريق على دخول أطراف أخرى ربما خلقت العراقيل بدلاً من المساعدة لإيجاد الحلول.

التجربة السودانية أثبتت أن التغيير إلى الأفضل ممكن عندما يكون الوطن هو القيمة العليا لدى الجميع، وعندما تكون المطالب مشروعة وأساليب المطالبة حضارية. لقد حقق السودان بكل أطيافه إنجازاً باهراً هو الخطوة الأولى في طريق طويل لن يكون خالياً من المصاعب والعقبات، لكن شعباً أنجز ما أنجزه قادر على التغلب عليها بإذن الله. لقد أسعدتمونا أيها الشعب الجميل أسعدكم الله.