حازم زقزوق

في عام 1983 صدر تقرير من لجنة تميز التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية وأُرسل إلى الرئيس الأمريكي «دونالد ريجان» بعنوان أمة في خطر وابتدأ كاتب التقرير وعضو اللجنة «جايمس هارفي» بالقول «إن الأسس التعليمية لمجتمعنا تتآكل، بمد عال من تواضع المستوى الذي يهدد مستقبلنا كدولة وكشعب» واستكمل جايمس بقوله «لو أن دولة غير صديقة فرضت علينا هذا النظام التعليمي لاعتبرنا هذا العمل، عملا عدائيا حربيا» وكان التقرير صدر ليعبر عن ضعف النظام التعليمي لتخريج كوادر وطنية مؤهلة لتحقيق ميزة تنافسية للشركات والاقتصاد والدولة ككل. وعندما ننظر إلى هذا الأمر في ضوء الحرب التجارية التي تحدث الآن بين أمريكا والصين مثلاً، نجد أن الصين تحارب بالإنتاج والإبداع، والإنتاج نشأ من تربية المجتمع على قيم العمل لا قيم الرفاهية، ونشأ الإنتاج أيضاً من الحاجة. ونشأ الإبداع من احترام والاهتمام بالتعليم.

وعندما سئل «تيم كوم» رئيس شركة أبل «لماذا تصنعون هواتفكم الآيفون في الصين؟» قال «إن الاعتقاد أن اختيار الصين بسبب رخص الأسعار هو اعتقاد خاطئ، لا يوجد أي مكان في العالم به عدد المبرمجين (حوالى مليونين) الذين يعملون في نظام IOS مثل الصين بالإضافة إلى عدد كبير من العمالة الماهرة في نقطة التقاء العمالة الفنية والمبرمجين وعلماء الروبوتيكس» بين الحادثتين 36 عاماً ولا زالت أمريكا في خطر بسبب تواضع مستوى النظام التعليمي. لاحظ أن التقرير لم يتحدث عن البطالة أو التوطين، أو ضرورة وقف الهجرة حتى تكفي الوظائف المواطنين. بل تحدث عن صورة أكبر وأخطر وأهم. كيف نستطيع كأمة أن ننتج العامل البشري الذي يؤثر في نمو وقوة الأمة. فالحروب أصبحت علمية تكنولوجية اقتصادية، لا ترسل الدبابات إلا إلى الدول المتخلفة.

أما الدول المتقدمة تحارب بالبحث عن الاختراعات والتفوق التكنولوجي، لا تبحث عن وظائف بل بناء صناعات منافسة. تقوم الدول وتفني ليس بسبب الفقر أو الغنى ولا بحجم الجيوش ولكن بالتخطيط والتنفيذ لهدف واضح وقوي، للاستمرار والنمو والإبداع. جاسوس الإسبان على دولة الأندلس في القصة الشهيرة، رأى الشباب يتبارون في العلم والرماية ويبكون على ضياع العلم والمهارة فقال لهم ليس الآن، ورأى الشباب يبكون على حب ضائع فقال لهم «اغزوهم الآن فإنهم مهزومون». لابد أن تكون رؤيتنا في 2030 و2050 أن نكون أمة قوية بالتعليم والإبداع، وإخراج جيل منافس يقدم ميزة تنافسية للاقتصاد. وليس جل همه أن يحل محل وافد في وظائف دُنيا، أو يتوقع أن يحتل أعلي المناصب لأنه فقط مواطن. بل أن ينافس (كلٌ في موقعه) ويجاهد كي يكون أفضل من الوافد في كل مجال وكل ميدان. السعودية ما بعد البترول لن تجد إلا التعليم ملاذاً، ولا غير عقول أبنائها مصدراً لتصدر للعالم الإبداع، بدلاً من النفط. لا بد أن ندق ناقوس الخطر.