&بشير عبد الفتاح&

أرجعت تل أبيب انتهاكها سيادة العراق أخيراً إلى ما اعتبرته إصراراً إيرانياً على تهديد أمن إسرائيل عبر جبهات شتى. فعلاوة على تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان إجهاض مخطط لـ"فيلق القدس لشن هجوم على الأراضي الإسرائيلية، ثم اعتبار مدير معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي، عاموس يادلين العراق "شرياناً لوجستياً لإيران"، يسمح لها بتوريد الأسلحة والمقاتلين إلى سورية ولبنان، تتعاظم مخاوف الإسرائيليين من نجاح إيران في توسيع نفوذها الإقليمي بما يخولها فتح جبهات جديدة للمواجهة مع تل أبيب.


ولم يكن العدوان الإسرائيلي ضد العراق منتصف الشهر الجاري الأول من نوعه، إذ حدث احتكاك عسكري بين إسرائيل والعراق مرتين خلال العقود الأربعة الماضية، كان الأول في حزيران (يونيو) 1981، حين دمرت القوات الجوية الإسرائيلية مفاعل "تموز" النووي العراقي. أما الثاني، فكان إبان حرب الخليج الثانية في عام 1991، حينما أطلق الرئيس العراقي السابق صدام حسين ما بين 39 إلى 49 صاروخاً من طراز "سكود" برؤوس حربية تقليدية على إسرائيل في مسعى منه لخلط الأوراق وتحويل مسار الأحداث. علاوة على ما سبق، أفادت تقارير إسرائيلية وغربية بأن إسرائيل كانت وضعت خطة لاغتيال صدام حسين منذ العام 1992، لكن تلك الخطة ألغيت بعد حادث أودى بأفراد المجموعة التي كان يفترض أنها ستنفذها.

وقبل بضعة أشهر، وضع وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان العراق في مرمى النيران الإسرائيلية، عندما ألمح إلى أن قوات بلاده قد تهاجم قِطعاً عسكرية يشتبه في أنها إيرانية داخل العراق، على غرار ما فعلت من قبل فى سورية بشن آلاف الضربات الجوية هناك منذ العام 2013، مؤكداً أن إسرائيل تحتفظ بحرية التصرف كاملة وفي أي مكان لمنع إيران من توسيع حضورها الإقليمي.

وفي منتصف الشهر الجاري، وعلى رغم ادعاء دوائر إسرائيلية وجود اتصالات سرية مع العراق تتضمن تبادل زيارات بين وفود إعلامية وبرلمانية، استهدفت إسرائيل مستودعاً للذخيرة في قاعدة "الصقر" العسكرية جنوب بغداد، والتي تعد معقلاً لـ "معسكر الشهداء" أو اللواء 16 التابع لميليشيات "الحشد الشعبي"، المكونة أساساً مِن تشكيلات شيعية.

وكشف المحلل السياسي والعسكري الإسرائيلي باباك تغافي، عن قيام بلاده بقصف معسكر لـ "الحشد" في محافظة صلاح الدين، مشيراً إلى أن الغارة نفَّذتها طائرات "اف 35"، وأسفرت عن مقتل ستة من "حرس الثورة" وأعضاء من "حزب الله" العراقي وتدمير صواريخ باليستية من طراز "فاتح -110".

وربط موقع "واللا" الإسرائيلي بين ما أورده موقع أجنبي متخصص في رصد حركة الطائرات الحربية من أن الهجوم نُفِذ بطائرة مقاتلة من طراز "إف 35" إسرائيليّة، وبين تصريحات أدلى بها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو أثناء استقبال طياري مقاتلات "إف 35 "في قاعدة "نيفاطيم" العسكرية الإسرائيلية عقب تنفيذ العملية.

بيد أن ما يسترعى الانتباه في أمر العدوان الإسرائيلي على أهداف إيرانية داخل العراق، أنه وقع على رغم محاولة طهران طمأنة تل أبيب بعد تهديدات نتانياهو باستهداف تحركات عسكرية إيرانية في العراق، من خلال تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي مطلع آب (أغسطس) 2018، الذي أعلن أن إيران يمكن أن تخفض أو تنهي وجودها العسكري "الاستشاري" في سورية في حال شعرت باستقرار نسبي هناك، أو تراءى لها الانتهاء من مهمة "القضاء على الإرهاب"، لاسيما وأن انتقال الحرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران إلى العراق بعد سورية من شأنه أن يرفع الكلفة الاستراتيجية للعلاقة بين طهران وكل من دمشق وبغداد.

ولما كانت الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء السورية بغية تنفيذ عمليات ضد أهداف إيرانية وسورية تتم بناء على تفاهمات عسكرية وتنسيق استراتيجي مع موسكو وواشنطن، فلن يتسنى لإسرائيل القيام بعمليات عسكرية مماثلة داخل العراق بغير تنسيق استراتيجي مسبق مع الولايات المتحدة، التي تربطها بالعراق اتفاقات تعاون أمني وعسكري، فيما تشرف القيادة العسكرية المركزية في واشنطن على العمليات العسكرية الأميركية في العراق. وبينما لم تكن واشنطن ترحب في ما مضى بإقدام إسرائيل على أي عمل عسكري داخل العراق، لم تتردد إدارة ترامب، في اعتبار قيام إيران بنقل صواريخ باليستية إلى العراق انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية ولقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2231 الذي صادق على الاتفاق النووي المبرم مع إيران في عام 2015.

وبينما هددت تل أبيب، قبل أشهر، على لسان وزير دفاعها بشن عمليات ضد أهداف إيرانية داخل العراق، امتنعت القيادة العسكرية المركزية في واشنطن عن إصدار أي تعليق، فيما لم يتورع ترامب عن غض الطرف عن العدوان الإسرائيلي على محافظة صلاح الدين العراقية، في وقت سابق من الشهر الجاري.

من شأن هذه الانتهاكات الإسرائيلية لسيادة عدد من الدول العربية أن تبرز الحاجة إلى بلورة نظام أمني عربي، يحد من التدخلات الخارجية في الشؤون العربية، مثلما يسد الطريق أمام أية خروقات إسرائيلية تنال من أمن تلك الدول وسيادتها.