رضوان السيد


يشير العنوان بالطبع إلى ما يحدث في لبنان، فقد حلّقت طائرة مسيرة صغيرة فوق ضاحية بيروت الجنوبية، ثم سقطت على مركزٍ إعلامي لـ«حزب الله» المسيطر في تلك الضاحية منذ عقدين. وتبعتها بعد نصف ساعة طائرة أخرى مشابهة، ما لبثت أن انفجرت قريباً منها. وبعد ساعتين اشتعل التشابك في كل شيء وحول كل شيء. فإذا كانت الطائرتان إسرائيليتين فكيف وصلتا إلى الضاحية، وقدرتهما على التحليق لا تتجاوز خمس أو ست كيلومترات، فهما قطعاً لم تأتيا من جنوب لبنان. وإذا كانتا قد أُطلقتا من البحر القريب، فكيف لم تلحظهما القوى العسكرية وميليشيا «حزب الله»، التي تقول إنها مستعدة لإزالة إسرائيل كلها خلال ساعات! ووصلت التكهنات إلى حدّ القول بأنها طائرات صنعها الحزب، وكانت في مرحلة التجربة، وقد تحكمت بها إسرائيل تقنياً وأسقطتها أو فجرتها فوق الضاحية!&

ماذا فعلت السلطات اللبنانية؟ استنكر رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة العدوان، وأمرا مندوبة لبنان بالشكوى لمجلس الأمن، وما تعرضا لقول نصر الله في تصاريحه إنه إذا جرى الاعتداء على إيران فهو سيرد «في لبنان»، ليس من أجل مزارع شبعا، ولا حتى من أجل النظام السوري الحليف، بل من أجل إيران فقط. على أنّ هذا الصمت عن قرار الحزب بالحرب ما توقف عند هذه الحدود، أي حدود «تجاهُل العارف»، بل إظهاراً لخطورة الوضع.
انعقد اجتماعٌ لمجلس الدفاع الأعلى، دعا إليه رئيس الجمهورية، حيث أُعلن عن قرار لبنان بالرد على العدوان «بشتى الوسائل»، كما قيل إنّ المجلس «أخذ علماً» بقرار نصر الله بالردّ، فكان هذا معنى: بشتى الوسائل، أي أنّ الجمهورية اللبنانية عهدت إلى الحزب بالقتال عنها!
موقف الرئيس من الحزب معروف، فهو يدينُ له برئاسة الجمهورية، وقد قال في عدة مناسبات كلاماً معناه أنّ الجيش ضعيف، وما تزال هناك حاجة لسلاح الحزب. وفي سياق احتفال «محور الممانعة» بالانتصار على الإرهاب في لبنان وسوريا، قال نصر الله إنه كسب الحرب على الإرهاب، وسيظل يلاحقُه، وقال رئيس الجمهورية لزواره في المقر الصيفي إن الاستراتيجية الدفاعية التي تعهد في خطاب القَسَم بالسير فيها طرأت عليها اعتبارات أهمُّها الإرهاب. ومعنى هذا أنّ هناك وظيفة ثانية لسلاح الحزب وهي مكافحة الإرهاب، ولذا فـ«الضرورات» التي يراها تجعل الاستراتيجية مؤجَّلة وفي يد المستقبل.
هناك شخصيتان رئيسيتان في السلطة بلبنان، هما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وموقف رئيس الجمهورية واضح، فماذا كان موقف رئيس الحكومة في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى؟ رئيس الحكومة قادم من الولايات المتحدة مؤخراً، حيث قابل مسؤولين كباراً، منهم بومبيو وزير الخارجية. وقد حاول الحريري إقناع الأميركيين بأنّ الحزب لا يسيطر على الدولة وسياساتها، وأن لبنان متمسك بالقرارات الدولية، وأنه سيبذل جهده بحكم صلاحياته وتوافقه مع رئيس الجمهورية للنأي بالنفس، ولتحقيق حصرية السلاح بيد الدولة! كل ذلك ما ظهر منه شيء في تصريحات رئيس الحكومة بعد عودته إلى لبنان، ولا

ظهر منه شيء في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى. لذلك ما اختلف موقف الحريري عن موقف الرئيس، وفي اليوم التالي أشاد «بري» بالإجماع في مجلس الدفاع على الثلاثية الشهيرة: الجيش والشعب والمقاومة!&
منذ ثلاث سنوات ونيف بعد حصول «التسوية»، ما عاد هناك فرق بين الحزب والدولة ولا فاصل، ولا فاصل بين دولة الحزب و«لا دولة» لبنان! وبذلك صار لبنان معزولاً، ولا تضامن معه من أي نوعٍ في حالة حصول عدوان إسرائيلي. بل للمرة الأولى منذ عام 2006 تلوم الأمم المتحدة لبنان في كل مناسبةٍ للتجديد للقوات الدولية، معتبرةً أنه مثل إسرائيل لا يطبق القرار رقم 1701، لأنّ المتحكم بقرار الحرب والسلم فيه ميليشيا «حزب الله»، والتي تعتبرها الجهات الدولية والعربية تنظيماً إرهابياً!&
تستخدم إيران اليوم الميليشيات التي استثمرت فيها طويلاً في غزة والعراق وسوريا ولبنان واليمن، في صراعاتها مع الولايات المتحدة. لذلك فهذه الميليشيات مضطرة الآن للكشف عن وجوهها الحقيقية. أما مسؤولو الدول العربية الأربع أو الخمس التي يستخدمها الإيرانيون، فصاروا يدينون لهؤلاء بمواقعهم، فيا للعرب!

&

&